Al Jazirah NewsPaper Sunday  22/03/2009 G Issue 13324
الأحد 25 ربيع الأول 1430   العدد  13324
هل تحولت البوصلة إلى الشركات الحكومية بدل التخصيص؟
يوسف حمدان الحمدان

 

أي مراقب لتطور وتنظيم الأعمال الحكومية لا بد أن يلاحظ مرور فترة زمنية كانت فيها الأجهزة الحكومية تقوم بتأسيس ما يسمى (مؤسسات) أو (هيئات) عامة للقيام ببعض الخدمات والمهام المطلوبة منها، والهدف الرئيسي من ذلك هو تجنب الخضوع لعدد من الإجراءات

والضوابط المالية والإدارية التي تحكمها، وأصبح لدى الحكومة عدد من المؤسسات والهيئات العامة التي عادة ما يكون لها مجلس إدارة له صلاحيات مالية وإدارية تتجاوز ما هو سائد ومطبق في الأجهزة الحكومية الأخرى،

وبسبب ذلك نشأ تفاوت كبير في الامتيازات والصلاحيات الوظيفية والمالية في هذه المؤسسات والهيئات العامة؛ ما دعا إلى الحد من الحرية والمرونة الممنوحة لها بغرض تقليل التفاوتات فيما بينها كما يبدو.

ولذلك كان لا بد من أن يتفتق الذهن البيروقراطي عن أسلوب أو طريقة أخرى للالتفاف حول قيود الإجراءات والضوابط المالية والإدارية الحكومية التي يعتقد البعض أنها تحد من أداء الأعمال المناطة بهم بالكفاءة المطلوبة؛ ولذلك بدأ خلال السنتين الماضيتين اتجاه جديد وهو تأسيس شركات تجارية تملكها الحكومة بالكامل يديرها مجالس إدارة بحرية مطلقة تقريباً وبرساميل محددة وبأهداف عامة تعطيها الحق في ممارسة الكثير من النشاطات التجارية في نطاق الهدف العام المحدد لها، وقد تم تأسيس شركة لتطوير التعليم وثانية لتأمين الأجهزة والمستلزمات الطبية وثالثة جرى شراؤها لتقديم تقنية وأمن المعلومات ورابعة للمياه وخامسة للمرافق، ولا يستبعد أن بعض الجهات الحكومية تبحث بطلب تأسيس شركات تجارية جديدة لأداء بعض أعمالها مع وضع كل المبررات المؤيدة لمثل هذه الطلبات لكي تتحرر من القيود الحكومية النظامية المتبعة، وهذا التوجُّه لا ينطبق ويختلف عن الحالات التي كان من الواجب على الحكومة أن تأخذ فيها زمام المبادرة في تأسيس شركات في مجالات يحجم القطاع الخاص من الدخول فيها منفرداً إما لحجمها أو لمخاطرها كما حصل في تأسيس شركات سابك والغاز والكهرباء.

وللتاريخ فقد قامت الحكومة في أوائل السبعينيات الميلادية بتأسيس شركة التموين عندما تكاثرت الشكاوى من شح المواد التموينية التي كان سببها عدم قدرة الموانئ على تفريغ هذه المواد، وبمجرد وضع حلول عاجلة آنذاك لزيادة أرصفة التفريغ ومكننة التفريغ أمكن فك الاختناقات وانسابت البضائع إلى الأسواق، وتم نسيان شركة التموين.

وبدأ التوجُّه نحو الخصخصة؛ حيث تم بالفعل تحويل عدد من النشاطات والخدمات إلى القطاع الخاص، أي أن القطاع الخاص يملك ويساهم بملكية هذه النشاطات، مثل الكهرباء والهاتف ومختبرات الجودة.. وقد كان من المتداول أن هذا التوجُّه مستمر وسيشمل الخطوط السعودية وصوامع الغلال وربما المصانع الحربية وغيرها التي تدار كمؤسسات أو هيئات عامة وفق ما تم ذكره سابقاً.

وقد كان السبب الذي يتم تداوله لعدم التخصيص هو أن هذه المنشآت تحتاج إلى إعادة هيكلة لجعلها في وضع يمكنها من تحقيق أرباح قبل خصخصتها أي طرحها كشركات مساهمة عامة مع بقاء الحكومة مالكة لجزء من الأسهم.. وهذا المنطق كان كله بالطبع قبل الأزمة الحالية لسوق الأسهم.

لذلك يستغرب ويتساءل المراقب للوضع الاقتصادي الحالي: هل تم التخلي عن الخصخصة؟ وهل التوجه الآن هو نحو تأسيس شركات حكومية تجارية؟ أو ما كان حرياً قبل هذا وذاك أن تتم مراجعة وتغيير الإجراءات والأحكام المالية والإدارية الحكومية لكي لا تكون المبرر الأساسي لابتداع مثل هذه الأفكار؟

وينبغي التأكيد في الختام أن الحكومة سبق أن استفادت بذكاء من تجارب بعض الدول المتميزة؛ حيث أوفدت لها وفوداً من المختصين أو دعت خبراء ومسؤولين منها، وبالفعل أمكن الاستفادة من هذه التجارب الناجحة في عدد من المجالات مثل تطوير سوق المال والعمل الجاري حالياً في تطوير التعليم وفي إعداد المواصفات على سبيل المثال لا الحصر، ولا بد أن الأمر أيسر للحصول على أفضل التجارب المطبقة في العالم في أحكام النظم والإجراءات المالية والإدارية التي تمنع التسيب والفساد وتحقق الضبط الإداري والمالي المرغوب من جهة، كما تحقق المصلحة العامة وتنفيذ الأعمال والخدمات الحكومية بالكفاءة المطلوبة من جهة أخرى.

وينبغي الاعتراف بأن مجمل النظام المالي والإداري السعودي وجميع مكوناته كميزانية الأربعة أبواب والتمثيل المالي وتأمين المشتريات الحكومية وصلاحيات الصرف والمراقبة المالية كلها قديمة وبحاجة ماسة إلى تغيير لتواكب التطورات والتقنيات الحديثة.

كاتب سعودي


yhamdan@waseet.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد