Al Jazirah NewsPaper Sunday  22/03/2009 G Issue 13324
الأحد 25 ربيع الأول 1430   العدد  13324
انبعاث الثورة في أمريكا اللاتينية من جديد
جورج كاستانيدا

 

مكسيكو سيتي - في السلفادور، وللمرة الأولى على الإطلاق في أميركا اللاتينية، نجحت منظمة سياسية عسكرية كانت تحاول ذات يوم الوصول إلى السلطة عبر فوهات البنادق، نجحت اليوم في تحقيق أهدافها من خلال صناديق الاقتراع. ورغم فوز جبهة ساندينستا في نيكاراغوا بانتخابات شبه شرعية في عام 1984، إلا أنها كانت قد تمكنت من الوصول إلى السلطة قبل خمسة أعوام من ذلك التاريخ بالإطاحة بنظام سوموزا الدكتاتوري. وبحلول عام 2006، حين أعيد انتخاب دانييل أورتيغا أخيراً، كانت ملامح جبهة ساندينيستا القديمة قد تغيرت إلى حد كبير عما كانت عليه في عام 1979م.

تأسست جبهة فارابوندو مارتي الوطنية للتحرير في السلفادور في عام 1980 باندماج خمس من الجماعات المسلحة بدعم من كوبا ونيكاراغوا. ولقد رشحت الجبهة رجلاً جذاباً حسن الطلعة، وهو ماوريسيو فوينيس، لخوض الانتخابات الرئاسية التي انعقدت يوم الأحد الماضي، ورغم انخفاض نقاط تقدمه من عشر نقاط إلى نقطتين فقط في عشية الانتخابات، إلا أن هذا الفارق أهله بأعجوبة لانتصار لا نزاع عليه.

أما حزب التحالف الجمهوري القومي المحافظ، الذي حكم السلفادور منذ انتهت الحرب الأهلية التي دامت عشرة أعوام في البلاد فقد بذلت كل ما في وسعها للحيلولة دون فوز جبهة فارابوندو مارتي الوطنية للتحرير، فلجأت من جديد إلى كل حيلة لإلصاق تهمة الشيوعية بالجبهة. وطبقاً للحملة السلبية الشرسة التي شنها حزب التحالف الجمهوري القومي فإن انتصار اليسار من شأنه أن يجلب الشيوعية وهوغو شافيز والأخوين كاسترو إلى سان سلفادور.

بيد أن تكتيكات الرعب لم يكتب لها النجاح هذه المرة. والحقيقة أن الأمر يشتمل على درس لابد وأن تتعلمه الحركات السياسية اليسارية والجماعات المسلحة الأخرى في أميركا اللاتينية. فقد أثبت الحزب الاشتراكي في شيلي، وحزب العمال في البرازيل، والجبهة العريضة في أوروجواي، وحتى شافيز في فنزويلا، وحزب الثورة الديمقراطية في المكسيك، وجبهة ساندينيستا للتحرير الوطني في نيكاراغوا، أن اليسار بعد أعوام من الانتظار قادر على الفوز بالانتخابات في أميركا اللاتينية.

إن الفارق بين هذه الحركات اليسارية المنتصرة وجبهة فارابوندو مارتي الوطنية للتحرير سوف يتجلى واضحاً حين تصبح السمات القديمة للجبهة باعتبارها حركة مسلحة في مواجهة التحدي المتمثل في حقائق الحكم اليومية. فرغم أن فوينيس ليس من قدامى محاربي العصابات المسلحة، إلا أن نائبه سلفادور سانشيز سيرين وكل قادة جبهة فارابوندو مارتي تقريباً هم عبارة عن زعامات وكادرات مسلحة من أنصار مذهب كاسترو غير القابلين للإصلاح. والحقيقة أن هذه القيادات، وليس فوينيس، هي التي تسيطر على الجبهة. أما قيادات الجبهة الأكثر ميلاً إلى الإصلاح والديمقراطية والحداثة والأشد تألقاً - فاكوندو غواردادو، وجواكين فيلالوبيز، وسلفادور سامايوا، وآنا غوادالوب مارتينيز، وفيرمان سينفويغوس - فقد تركوا الجبهة.

ثمة عامل ثان مزعج يتلخص في ارتباط جبهة فارابوندو مارتي بكوبا وفنزويلا. فمنذ عام واحد تقريباً كان كل من يزور مقر الجبهة في سان سلفادور، لمقابلة أمينها العام سيرين على سبيل المثال، ليصدمه الحضور الغامر لشافيز: القمصان الحمر، والقبعات الحمراء، وصور زعيم فنزويلا المطلق، واقتباسات من تعاليمه وتأملاته.

لقد ساعد شافيز جبهة فارابوندو مارتي بمنح النفط بالمجان أو بأسعار زهيدة لمحافظي المدن في أنحاء عديدة من البلاد، بل ومن خلال توجيه الأرصدة المالية (ولو أن هذا لم يثبت بالأدلة القاطعة) ولو بكميات ضئيلة إلى خزائن الجبهة المخصصة للانتخابات. وما زال التواجد الكوبي أيضاً قوياً رغم أن عمليات التطهير السياسية الأخيرة التي بدأها راؤول كاسترو تجعل من الصعب على أي مراقب أن يحدد على وجه اليقين من يعمل لصالح من. وما زال راميرو أبريو، الذي «أدار» السلفادور لصالح كوبا في الثمانينيات والتسعينيات، يزاول عمله بنشاط، ولكن باعتباره رجل أعمال وأحد كبار رجال الدولة القدامى، وليس باعتباره ناشطاً كوبياً.

بيد أن النفوذ الذي تمارسه كوبا على القيادات القديمة للجبهة ما زال قوياً. وقد يكون تغلغل كوبا وفنزويلا إلى الأحزاب السياسية في المكسيك أو البرازيل على سبيل المثال مفهوماً بعض الشيء، ولكنه ليس وثيق الصلة بالضرورة بقضيتنا هنا. ذلك أن المكسيك والبرازيل من البلدان الكبيرة ذات الاقتصاد الضخم، حيث لا يكون التآمر وتوزيع الإكراميات والمحسوبيات مؤثراً إلى حد كبير. ولكن الأمر يختلف تماماً في السلفادور وغيرها من البلدان المشابهة، مثل نيكاراغوا وبوليفيا والإكوادور.

هناك عامل ثالث على قدر كبير من الأهمية فيما يتصل بتحليل نوع الحكومة الذي قد تقدمه جبهة فارابوندو مارتي، وهو يتلخص في الأزمة الاقتصادية التي تعصف بأميركا اللاتينية. ففي الوقت الحالي بات من المستحيل أن نجزم بما إذا كان الركود سوف يؤدي إلى تطرف اليسار في المنطقة، وهي النتيجة التي يبدو وكأن شافيز يشجعها، أو ما إذا كان قد يؤدي إلى الاعتدال - بتأجيل الأهداف الثورية نظراً للظروف الاقتصادية المشؤومة. ولكن الأمور سوف تتكشف قريباً.

بيد أن النتيجة الأكثر أهمية لفوز جبهة فارابوندو مارتي قد تكمن في تأثير هذا الفوز على بقية بلدان أميركا الوسطى والمكسيك. فقد انتقل رئيس هندوراس مانويل زيلايا إلى مدار شافيز، ليس بدافع من اقتناع ولكن في انجراف مع تيار الغوغائية؛ وكان أورتيجا رئيس نيكاراغوا جزءاً من ذلك المدار دوماً، أما كوستاريكا وباناما في الجنوب فلم تدخل أي منهما إلى الحلقة حتى الآن، الأمر الذي يجعل المكسيك في الشمال مكشوفة على نحو متزايد.

لا شك أن بلدان أميركا الوسطى لا تشكل نفوذاً ضخماً في المكسيك؛ بل إن الأمر على العكس من ذلك. ولكن اليسار المكسيكي، رغم أنه لم يعد ضعيفاً كما كان بعد الهزيمة التي لحقت به في عام 2006، إلا أنه كان دوماً في احتياج إلى قدوة أجنبية. فهو يتعاطف مع شافيز، والرئيس البوليفي إيفو موراليس، وكوبا، وجبهة سانيدينيستا، والآن جبهة فارابوندو مارتي، أكثر من تعاطفه مع اليسار المعتدل المنتخب في شيلي والبرازيل وأوروجواي وبيرو. ولسوف تنظر هذه البلدان إلى انتصار فوينيس باعتباره طلقة أخرى صائبة موجهة من (بندقية الشعب)، وشعرة أخرى انتزعت من ذقن العم سام. والحقيقة أنه من قبيل الطيش والإهمال أن نحكم الآن على الإنجاز التاريخي الذي حققته جبهة فارابوندو مارتي باعتباره عملاً من أعمال العدالة أو حدثاً كان متوقعاً في إطار قضية ثانوية.

* جورج ج. كاستانيدا وزير خارجية المكسيك السابق (2000-2003)، ويعمل حالياً بجامعة نيويورك.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009.
خاص بالجزيرة



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد