أطلق الملك المفدى - نصره الله - مؤخراً، حزمة من الإصلاحات الإدارية المهمة في عدد من الأجهزة الحكومية، ومنها جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث حلَّ رئيس عام جديد محل رئيس سابق، بهدف إحداث تغييرات وإصلاحات في إدارة وتفكير وعمل هذا الجهاز الحساس، تفضي بالضرورة إلى تحقيق المصلحة العامة.

* ولأن الكل يتابع ما هو منتظر من الرئيس العام الجديد، فقد استبشرنا خيراً باجتماعه مع رؤساء فروع الهيئات، ثم فرحنا بخبر عقد دورات صقل لعدد من عناصر الهيئات في المناطق، وقلنا متفائلين: ها هي عجلة الإصلاحات المنتظرة تتحرك، وها هي التغييرات قادمة، إلى أن ظهر ما بدد الآمال، وبرز من أحبط التطلعات، فها هو واحد من قياديي هذا الجهاز - بل هو الرجل الذي يقود ويدير المعهد المتخصص في إعداد وتخريج منسوبي الحسبة، الدكتور (خالد الشمراني)، عميد المعهد العالي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جامعة أم القرى - برز فضيلته فجأة، ليعتلي منبر الخطابة في دورة إعدادية لرجال الحسبة في فندق (راديسون ساس) في جدة قبل أيام، ثم تحدث في الوقت نفسه، لصحيفتي (الحياة والمدينة) - عدد يوم الأحد الفارط - بلغة توحي أن لا إصلاحات قادمة، ولا تغييرات مقبلة في جهاز الهيئات، بل ولا حتى إبقاء الوضع الحالي على ما هو عليه..!

* وصف عميد معهد الحسبة الكُتّاب الذين ينتقدون أخطاء وتجاوزات الهيئات بأنهم (ناقمون)، وذوو (نفوذ إعلامي)، وأنهم (يصطنعون الفجوة) بين جهاز الهيئة والمجتمع..!

* حسناً.. سوف نقبل هذه الاتهامات، ونعده أننا سوف نستمر في نقد أخطاء وتجاوزات الهيئة مثلما نفعل مع غيرها، فمثل هؤلاء الذين يرددون مثل هذه الأقوال، هم أعداء الهيئة الحقيقيون، الذين يتحمسون لها دون وعي، ويتحزبون لها دون تبصر..!

* ثم انتقل عميد معهد الحسبة كما لو أنه ينتقد قرار أمير منطقة مكة المكرمة، الذي منع رجال الحسبة من دخول المطاعم والمقاهي العائلية، فوصفه ب (الخاطئ)..! وطالب (هذه الجهات) - إمارة منطقة مكة المكرمة وغيرها من إمارات المناطق - بالعدول عن القرار وإيقافه..! ثم قرر أن المحتسب (يجب) أن يدخل إلى (أي موقع ومطعم ومنتجع ومقهى)، من دون قيود أو شروط..!

* وانتقل (فضيلته) بعد ذلك وكأنه ينتقد قرار مجلس الوزراء الذي صدر قبل ثلاثة أسابيع، ونص على (التوسع في توفير فرص العمل للمرأة في كافة القطاعات العامة والخاصة)، فقال: بأن المرأة (محلها البيت)، وأنه (لا ينبغي التوسع في عملها)، وأن (عمل المرأة، ليس من شأن وزارة العمل)..!

* ولو أن فضيلة عميد المعهد العالي الدكتور (خالد الشمراني)، لم يكن على قمة هرم معهد في جامعة، يعد ويخرج المحتسبين للعمل في الميدان، ولم يتحدث في منبر دورة تدريبية لعناصر من الهيئة، يسعى الجهاز - ربما - إلى إعادة صقلهم، وتغيير بعض المفاهيم الخاطئة في تعاملهم مع الجمهور، ثم تحدث من بيته مثل غيره، لقبلنا منه هذا، لكنه في حالته هذه، ينطلق من جهاز رسمي، ليعترض على قرارات رسمية صادرة من مجلس الوزراء، وأمير منطقة مكة، وكأنه يوحي بمستقبل قادم لجهاز الهيئة، يشكل فيه هذا الجهاز الخدمي من وجهة نظره التي عبر عنها في دورة خاصة برجال الحسبة..! بمعنى أنه تحدث منبرياً، وصرح كذلك صحافياً، في وقت متزامن مع كلام نشر للدكتور (سفر الحوالي)، قال فيه هو الآخر كلاماً جديداً وخطيراً للغاية. قال: (من حق الهيئة محاكمة المقبوض عليهم والمشتبهين، وسجنهم، وإصدار أحكام شرعية بحقهم، وتنفيذ هذه الأحكام، وعدم الإحالة لأي جهة أخرى)..!!

* هل هذا هو ما يريده الأخوان: (الحوالي والشمراني) حقاً..؟!

* جهاز للهيئة لا يعترف بأجهزة حكومية أخرى، مثل إمارات المناطق والأجهزة الأمنية والمحاكم، وإنما يعطي نفسه وصاية كاملة على الناس في دورهم، وفي مقار أعمالهم، وفي المطاعم والمقاهي والأسواق، دون تدخل من أي جهة أخرى، فلا يُتابَع ولا يُحاسَب، ثم يلغي حق الدولة في رعاية نصف المجتمع، فلا يحق لوزارة العمل التدخل في توظيف وتشغيل المرأة، لأن هذا ليس من شأنها، وإنما هو من شأن الهيئة، التي لا ترى داعياً لخروجها وعملها، لأن ليس لها إلا بيتها كما يقول الدكتور (الشمراني)..!

* هذه اللغة التي تحدث بها الدكتور (الشمراني) لغة عجيبة، ويمكن أن نفسر على ضوئها بعض الحالات التي اصطدم فيها مواطنون ومواطنات مع بعض موظفي الهيئات في عدد من المناطق، والتي ظهرت فيها مطاردات وحوادث مؤسفة، ذهب ضحيتها أبرياء لمجرد شبهة وسوء ظن ليس إلا، ففي حالة كهذه كيف نلوم رجال الحسبة الذين يتخرجون من معهد يدار بهذا التفكير، فيتصرفون في الميدان على ضوء ما أعطي لهم من دروس وفهم لطبيعة عملهم، هل يلتزمون بأنظمة الدولة المحددة، أم يتصرفون بشكل آخر مغاير..؟!

* أخيراً.. هل هذه (الغضبة الحِسبية)، التي صدرت عن عميد معهد الحسبة في جامعة أم القرى تعبِّر عن سياسة وتوجهات الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخاصة في عهدها الجديد، الذي يعلق عليه المجتمع آمالهم وتطلعاتهم..؟ أشك في هذا!!.