حوار - فوزية الشدادي الحربي:
* خلال مسيرة عشر سنوات من عمل الهيئة الاستشارية.. كيف تقيمين هذه التجربة؟
- الحقيقة أن عشر سنوات من عمر الإنسان حقبة مهمة؛ فما بالك إذا كانت هذه الحقبة حافلة بالعمل الإنساني والوطني، خاصة، وأن برنامج الهيئة الاستشارية يخاطب العقل ويعنى بالفكر، وهذا أغلى ما يملكه الإنسان، من خلال منتوجنا الحضاري والثقافي نحدد هويتنا ونثبت وجودنا بين الأمم.
بهذه الرؤية، تم اللقاء الأول لعضوات الهيئة الاستشارية برعاية الدكتور سعد الراشد، وكأننا أسرة التفت حول مصباح مشع في غرفة سقفها السماء لا حدود فيها للطموح، هذا كل ما نملك حينها (فكرة منيرة) آمنا بها جميعاً، وتداعينا نلبي نداء الضمير الذي جعل كلا منا يعمل بصمت وعزيمة، المعيار للنجاح هو هذا الرضا من الداخل الذي نشعر به بعد كل إنجاز والذي يسعد فيه من حولنا، هو ذلك البنيان الذي لا تراه أو تلمسه، ولكنك تدركه بكل حواسك؛ الثقافة هي لغة الحوار مع الشعوب ومن خلال منتجاتنا الثقافية، وهي المعارض والندوات والأدبيات تواصلنا مع الآخر تعلمنا الشيء الكثير، وعلّمنا الشيء الكثير، قبل عشر سنوات غرسنا سنبلة، ولم يكن عددنا يتجاوز أصابع اليد، واليوم نرى من حولنا عشرات الأيدي، بل مئات الأيدي وكل يد تحمل سنبلة، هذه الأيدي التي تمتد لنا جعلتنا ننسى كل العقبات التي مرت بنا.
* ما أهم الفعاليات والبرامج التي نظمتها الهيئة الاستشارية؟
- البرنامج الثقافي للهيئة الاستشارية يهدف إلى تفعيل دور المتحف في المجتمع؛ وبالتالي كان لابد من تنفيذ برامج تخدم المجتمع وتوجد تفاعلاً بين الناس، فإن وجد المنتج الثقافي المفيد والممتع تحقق الهدف من وجود المتاحف، وتختلف المتاحف باختلاف أهدافها، وكون المتحف الوطني متحف حضارات؛ فهو يعنى بتاريخ الكون والإنسان منذ النشأة الأولى حتى يومنا هذا، فكان لابد لنا من تناول المسألة العلمية من جهة والتاريخية الحضارية في برنامجنا من جهة أخرى، ابتدأ البرنامج مع استضافتنا لمعرض الحضارة الإسلامية (كنوز من الكويت). وصاحب المعرض فعاليات استمرت فترة وجود المعرض في قاعة العروض على مدى عدة أسابيع كانت حافلة بالزيارات واستقبال الوفود الرسمية وطلاب المدارس وجمهور مدينة الرياض, وقد حرصنا على نقل هذه العروض والفعاليات على الشبكة العنكبوتية في موقع (أول نت) زار الموقع 8 ملايين زائر خلال هذه الفترة، كما تم إصدار مطبوعة للأطفال وهي العدد الأول من دليل الأسرة، تترجم هذه الكنوز المتحفية ومعلومات عنها بأسلوب مبسط وشيق للأطفال, أما الأمسية التي تم فيها افتتاح المعرض فقد حرصنا أن تكون أمسية ثقافية اجتماعية يلتقي فيها سكان مدينة الرياض من النساء من كافة ثقافاتهن وجنسياتهن؛ فدعيت الجاليات وتم استقبال أكثر من ألف مدعوة في الساحة الخارجية لمركز الملك عبدالعزيز التاريخي في حفل عشاء، تبادلت فيه المرأة السعودية مع نساء العالم بطاقات المودة والتعارف والحوارات الثقافية، والتي لم تكن تتم إلا من خلال هذه المناسبات العامة، واستمرت الصحافة المحلية تنشر فعاليات هذا الحدث، وما يطرح من أفكار وحوارات ثقافية حول الحضارة وحول الإنسان صانع الحضارات، والتي كان لإنسان الجزيرة دور تاريخي مهم فيها. نحن ندرك أن لدينا الإبداع والقدرات الكامنة ومن خلال هذه النشاطات نفتح النوافذ والأبواب لأفراد مجتمعنا أن يقدموا ما لديهم من مخزون وبهذا التفاعل تتولد الأفكار وتترجم إلى أعمال تفيد المجتمع الإنساني.
هنا أتوقف؛ لأن الحديث عن برامج وأنشطة الهيئة الاستشارية على مدى عشر سنوات يحتاج إلى مجلدات ولا يمكن تناوله في لقاء صحفي. (كتاب كنوز من الكويت) الذي صور فيه المعروضات المتحفية، هذا بحد ذاته مجلد، كل هذه الفعاليات المصاحبة لمعرض الحضارة الإسلامية تم إنجازها في الأشهر الأولى لتشكيل الهيئة الاستشارية، فلو حسبنا عدد الأيام في السنة في عشر سنوات في عدد الفعاليات وعدد المستفيدين من هذه الفعاليات من الجمهور داخل وخارج المملكة: فهل يمكن أن نقول إن المتحف الوطني جامعة مفتوحة للمعرفة والإنسان في كل مكان خلال السنوات العشر الماضية، هذا ما نتمنى أن نكون حققناه.
* أوليتم اهتماماً خاصاً للطفل من خلال طرحكم (لبرنامج المتحف الوطني لثقافة الطفل) فما أهداف هذا البرنامج؟
- إذا كان النفط هو أغلى ما نملك من موارد طبيعية، فإن المورد الحقيقي الذي لا يفنى هو الإنسان الذي إذا ما استثمرنا فيه فإن العائد منه على الوطن لا يمكن أن يقدر بثمن، الاستثمار في النفط الأبيض هو الأبقى، والوطن باق مع الأجيال القادمة التي نأمل أن نكون قادرين على إعدادها إعداداً جيداً لمرحلة ما بعد النفط.
في زيارتنا للمتاحف في بريطانيا، زرنا المتحف العلمي في لندن استوقفتني مقولة لمدير المتحف يقول (إن الحكومة البريطانية تدفع لنا 40 مليون جنيه استرليني بهدف أن نساهم مع برامج التعليم في تخريج عقول بريطانية تنافس في السوق العالمي) وأنا أقول: هل يمكن لنا أن نساهم في إيجاد برامج علمية تخرج عقول وطنية تساهم في بناء الوطن.
من هنا انطلق مشروع المتحف الوطني لثقافة الطفل ونظمنا الكثير من برامج العمل التربوية والتعليمية بالتعاون مع المدارس الأهلية وانبثق عنها مطبوعات موجهة للطفل؛ فكان للتربية المتحفية اهتمام خاص من قبلنا ورصدنا لهذا البرنامج ميزانية وأعددنا برنامجاً تدريبياً بإشراف متخصصات تربويات بالتعاون مع جامعة الملك سعود وتم تنظيم زيارات للمتاحف العالمية للأطفال مثل (متحف الطفل في إنديانا) و(متحف قرطبة في بوسطن) والاطلاع على أدبيات الطفل التي تصدرها المتاحف العالمية واللقاء مع المتخصصين في أقسام التعليم في المتاحف؛ مما كان له العائد الكبير على مستوى الأداء في برامجنا المتحفية الموجهة إلى طلاب المدارس، والطموح أن نطور ونعمم هذه التجربة ليستفيد منها كل أبناء الوطن.
* كنتم أول من دشن موقعاً على الشبكة العنكبوتية للمتحف الوطني.. ما أهمية هذا المشروع؟
- من خلال النت يتواصل القراء في كل مكان، ونحن ندرك أهمية هذا التواصل مع العالم. إن نقل منتجات المتحف الوطني الثقافية إلى القراء في كل بقاع الدنيا يعني تواجدنا في كل مكان، إنها مسألة مهمة على مستوى التبادل الثقافي، والأهم أن لدينا في المتحف الوطني كنوزاً لم تسمح الفرصة للكثيرين للاطلاع عليها والاستفادة منها، وإن نقل هذه المعلومات عما لدينا من كنوز هو تمكين الآخر من الاطلاع على ما لدينا من إرث حضاري، وتمكيننا من الاستفادة مما لديهم.
* (أعجوبة فوق الرمال) و(دليل الأسرة) من منتجات الهيئة الاستشارية.. فما أهمية هذه المطبوعات وأهدافها؟
- أعجوبة فوق الرمال هي ذلك الدليل الذي يحمله الزائر بيده، وهو يتنقل من قاعة إلى أخرى داخل المتحف الوطني ترشده إلى ما بداخل هذه القاعات من كنوز وقطع متحفية بأسلوب مبسط وشيق وبالصور، والهدف إرشادي تعليمي، ويبقى دائماً مع الزائر يرجع إليه في كل مرة يحتاج فيه إلى معلومة مبسطة وفي المتناول عما بداخل المتحف. أما الأعداد التي تم إصدارها من دليل الأسرة فمن الملاحظ أن مواضيعها متنوعة، والشريحة المستهدفة منها هي الأطفال، وهي مطبوعة تعليمية غالباً ما تصدر مصاحبة لنشاط أو برنامج نظمته الهيئة الاستشارية، وهي تعطي للطفل شيئاً من المعلومات عن معرض أقيم، أو ندوة عقدت بأسلوب يتناسب مع الفئة العمرية المستهدفة.
* تقدم الهيئة الاستشارية للزوار مجموعة هدايا متحفية متنوعة.. فهل يمكن أن تحدثينا عن هذا المشروع؟
- الهدايا المتحفية هي تلك القطع التي نحملها معنا وتعود إلى ديارنا بعد زيارة أي متحف في العالم فتبقى في منازلنا قطعة أثرية يتوارثها الأجيال وذكرى جميلة لزيارة لا تنسى، ونحن في الرياض نستقبل سنوياً الوفود من كل بلاد الدنيا، ونرغب في أن يرجع الزوار إلى ديارهم، وهم يحملون شيئاً منا، وليس أثمن من قطعة جميلة من مجسم أثري تاريخي (من هنا تم اختيار أفضل القطع الأثرية في المتحف والتي يمكن تصنيعها على شكل هدايا متحفية، وأجريت دراسات حول كل قطعة وتم طباعة معلومات عنها في مطوية صغيرة توضع في علبة الهدية وتقدم للزوار)، ومن خلال تجربتنا في هذا المجال رأينا إقبالاً كبيراً على منتجاتنا نظراً لعدم وجود الشيء المشابه لها، بل قد يكون هناك شبه انعدام للهدايا التذكارية التي تعتبر إنتاجاً محلياً تراثياً يحملها الزائر معه، ونحن نسعى إلى التدريب وتطوير الإنتاج في هذا المجال لأهميته ولوجود حاجة كبيرة إليه.
* تنظم الهيئة الاستشارية ضمن لقاء المتحف والمجتمع أمسية تراثية مساء السبت.. حدثينا عن هذا اللقاء.
- ندوة المتحف والمجتمع تم تنظيمها للاستفادة من المؤسسات والأفراد في المجتمع واستضافتهم في لقاءات دورية ينبثق عنها مخرجات ثقافية تدعم دور المتحف كمركز ثقافي وتضيف للمجتمع كل لقاء شيئاً جديداً، وفي لقاء يوم السبت حرصنا على أن نستضيف الشباب من وزارة الثقافة ليقدموا لنا عروضاً من تراثنا الذي نفخر ونعتز به؛ حيث كان لأجدادنا بصماتهم في الرقص والشعر وصنع اللباس وآلاتهم الموسيقية الخاصة في كل منطقة، والتي نحرص على أن لا تندثر، بل أن ننقلها إلى الأجيال من بعدنا، هذه من جهة. أما الهدف الآخر فهو رغبتنا المستمرة في التواصل الاجتماعي الذي يعتبر من أهم عاداتنا الاجتماعية.. آمل لهذه المناسبة أن تحقق الهدف المنشود من لقاء اجتماعي ثقافي فيه متعة وفائدة للجميع.