يمتلك العقل البشري أفقاً من الخيال، يمنحه القدرة على الامتداد والتحول. ولكن ثمة لحظات من التاريخ يبدو فيها العقل أقل قدرة على النفاذ والتقدم في الحضارة والتقنية وفي تلك اللحظات يصبح العقل أسيرا للحظة من التاريخ، ومن خلال أفقه الصغير يحاكم العالم، وبدلا من الركض للحاق به يكلف نفسه الإمساك برقة التاريخ كيلا يبتعد، أو لكي يعيد سيرته الأولى).
من كتاب (فتنة تعليم البنات) للدكتور عبدالله الوشمي وقد أصدره المركز الثقافي العربي وتم عرضه في معرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام.
** تساءلت وأنا حتى الآن لم أكمل قراءة الكتاب المبهر، الذي يوثق لمرحلة لا يمكن أن تصفها وأنت اليوم ترى نفسك في غمرة الضوء - لا يمكن وصفها - إلا بالظلامية!! وهي تحاول أن تقاوم مد الضوء الذي آمنت به الدولة وصمدت من أجله..
** فهل ستنظر الأجيال التي ستأتي بعدنا وتوثق لمرحلتنا ولخلافاتنا وشقاقاتنا وصنوف الدسائس وعبارات التخوين التي يمررها المختلفون عن بعضهم..
- هل ستنظر لها الأجيال القادمة بأنها مرحلة (ظلامية)؟!
** كم مرة أمسكنا بها برقبة التاريخ وكلفنا أنفسنا بما ليس لها.. فالتاريخ ماض وعلينا ألا ننشغل بإيقافه ولف رقبته باتجاهنا واتجاه تفكيرنا المحدود، كم مرة كان من الأجدى أن نركض، أن نعبر، أن نمر من الأنفاق والاختناقات نحو الضوء، لكننا آثرنا في كل مرة أن نعود أدراجنا لنبدأ من جديد.. كم من عقل تعطل، وكم من جيل فقد بصيرته وكان بإمكانه أن يفعل ويؤثِّر ويغيِّر!
** طغيان السطحي والغثاء والهازل والضعيف وامتطاء سدة الضوء من قبل الفارغين.. وعلو صوت المختلفين وحدة الصراع والتقاذف بأقذع الأقوال والأفعال أمضت من عمر بلدنا ما لا يقل عن ربع قرن، هي مرحلة شباب ونضج كان من الأولى أن يستثمرها أبناء الوطن في الركض بالوطن نحو التاريخ.. لا إيقافه أكثر من مرة في محطات ننظر إليها عن بعد ونبكي بحرقة.
** كتاب (فتنة تعليم البنات) تأخر ربع قرن في رأيي مع أن صدوره اليوم جرأة محمودة من قبل مؤلفه وجهداً تحليلياً واستقراء لابد أن يجعلك تستشعر أهميته في تغيير مرحلة وتغيير جيل يظن أنه يمتلك العقل مع أنه منح لعقله إجازة طويلة واستسلم للصراخ.. لكننا لو امتلكنا وأفسحنا لهذه الجرأة المجال منذ ربع قرن مضى لكنا اليوم بالتأكيد أكثر معرفة بأنفسنا وأكثر استثماراً لعقولنا!
** لابد أن أشيد بالذكاء الكبير والمقدرة الفائقة التي كان عليها د. عبدالله الوشمي في مقارباته لهذا الموضوع كما أشيد بالمتعاونين معه والذين أمدوه بهذه الوثائق الهامة.. وبعد إتمام قراءة الكتاب من المؤكد ستكون هناك عودة أخرى.
Fatemh2007@hotmail.com