حاوره - بندر الأيداء
استبعد خبير دولي في الموارد البشرية وتطوير القادة والتنفيذيين تأثر سوق العمل السعودي بتداعيات الأزمة العالمية الراهنة، وعزا توقعاته إلى السياسات المحافظة التي اتبعتها المملكة في نهجها الاقتصادي؛ ما سيحافظ على وتيرة نمو قطاع الأعمال وبالتالي محافظة أسواق التوظيف وتطوير الموارد البشرية على انتعاشها؛ الأمر الذي يقلل من احتمالات حدوث حالات استغناء عن الموظفين كما هو الحال في بعض الدول. وأكد السيد بيتر هاندل الرئيس التنفيذي لمؤسسة (ديل كارنيجي) لتطوير القادة والموارد البشرية في العالم، التي يتبع لها 80 مكتباً على مستوى العالم، أن أبرز السياسات والإجراءات التوظيفية والمتعلقة بجانب تطوير الموظفين التي ينبغي أن تتبعها الشركات لتتعاطى مع تداعيات هذه الأزمة هو القيام بالتخفيض المباشر للتوظيف إن لم يكن إيقافه تماما ولو لفترة مؤقتة؛ وذلك لتقليل الضغط المالي على هذا القسم في هذا الوقت الحرج. وخلال حواره مع الجزيرة تحدث السيد هاندل عن العديد من القضايا التي تهم التنفيذيين في الشركات بما في ذلك برامج التدريب والتطوير. وفيما يأتي نص الحوار:
موقف الوظائف بالمملكة آمن
* مُني الاقتصاد العالمي بآثار سلبية نتيجة تفاقم الأزمة المالية في الفترة الأخيرة، ومما لا شك فيه أن القطاع الخاص من أبرز المتأثرين بتلك العاصفة باعتباره إحدى ركائز الاقتصاد.. برأيكم ما أبرز السياسات والإجراءات التوظيفية والمتعلقة بجانب تطوير الموظفين التي ينبغي أن تتبعها الشركات لتتعاطى مع تداعيات هذه الأزمة بشكل إيجابي؟
في الواقع أن أول الإجراءات المنطقية التي يجب تطبيقها في الموارد البشرية هو التخفيض المباشر للتوظيف إن لم يكن إيقافه تماما ولو لفترة مؤقتة؛ وذلك لتقليل الضغط المالي على هذا القسم في هذا الوقت الحرج، وفي حال أن وجد هناك توجه لاستمرار التوظيف فمن وجهة نظري أن يتم زيادة عدد موظفي المبيعات أو استقطاب كفاءات لهذا القسم لزيادة إيرادات ودخل الشركة؛ ما قد يخفف الأثر السلبي لهذه الأزمة في الوقت الراهن. ولا يفوتني أن أشير إلى نقطة مهمة وهي أن التأثير السلبي كما نلاحظ يختلف من دولة إلى أخرى، فعلى سبيل المثال هنا في المملكة لا يبدو لنا أي آثار سلبية على الاقتصاد إجمالا وعلى القطاع الخاص بشكل محدد، بل إننا نلاحظ أن قطاع الأعمال ما زال ينمو بشكل جيد، فلا أعتقد أن هناك أي حاجة في الوقت الراهن لاتخاذ أية تدابير أو احترازات في هذا الجانب.
الأزمة وتسريح الموظفين
* ولكن يرى المراقبون أن تأثير الأزمة على الحراك الاقتصادي السعودي وخصوصا سوق العمل سيأتي تباعا لما يحدث في الدول المنتجة في الوقت الراهن حيث نلاحظ عددا من الشركات العالمية صاحبة الكيانات الإنتاجية الضخمة والماركات المعروفة شرعت في تسريح عشرات الآلاف من الموظفين بتأثير مباشر من تداعيات الأزمة، هل تتفقون مع هذا القول؟
- لا أتفق كثيرا مع هذا القول، ولاسيما إذا نظرنا إلى أن السياسة الاقتصادية في المملكة التي تمتلك دعائم قوية تضع اقتصادها في مأمن خلال الفترة الراهنة؛ حيث إن الأزمة كان لها الأثر البالغ على النشاط البنكي وكما نعلم أن التعاملات والسياسات البنكية هنا مختلفة تماما ولا ترتبط بشكل كلي مع البنوك العالمية كما هو الحال في معظم الدول، فنهج البنوك السعودية يغلب عليه الطابع المحافظ؛ ما أكسبها بعض الخصوصية، وبالتالي لا أعتقد أن الأثر سيكون بالشكل الذي مُنيت به بعض الدول التي ترتبط بنوكها ببعضها البعض بشكل قوي، إضافة إلى ذلك فاقتصاد المملكة يعتمد على النفط كمصدر دخل أساسي، وكما نعلم أن النفط هو مصدر الطاقة الرئيسي لجميع دول العالم؛ ما يرشحه للمحافظة على أسعاره التي ستكون مناسبة للدول المصدرة له. ونستخلص من هذا كله أنه لا يوجد أثر مباشر للأزمة العالمية على السوق السعودي.
الأزمة وسوق التنفيذيين
* دعني أخصص هذا السؤال عن توقعاتكم لأثر هذه الأزمة على السوق التنفيذي في القطاع الخاص بشكل عام وفي المملكة بشكل خاص من حيث التأثير على مرتبات التنفيذيين التي يعتبرها البعض مبالغاً فيها ومرتفعة نوعاً ما، وقد تشكل عبئاً على ميزانيات الشركات في الوقت الراهن..
- أتفق معك في هذا الجانب؛ فالتنفيذيون ولما يتمتعون به من مهارات وإمكانات إدارية وبشرية يحظون بمرتبات عالية، والجواب في هذا الحال هو: نعم ستتأثر بشكل مباشر تلك المعدلات العالية من الرواتب والمحفزات في ظل انخفاض معدلات أرباح وعوائد الشركات على الصعيد العالمي، والسبب في هذا التنبؤ هو أن مرتبات التنفيذيين ومحفزاتهم تعتمد بشكل كبير على إيرادات الشركات وأرباحها وترتبط بها بعلاقة طردية، وليس سراً أن باقة مرتب التنفيذي غالبا ما يكون الراتب الأساسي فيها لا يشكل جزءا كبيرا من إجمالي المرتب، بينما تمثل البدلات وعمولات الإنتاج سواء الشهرية أو السنوية جزءا كبيرا من إجمالي الراتب.
مستقبل نشاط شركات التطوير
* بماذا تتنبؤون بمستقبل نشاط شركات تطوير وتدريب الموارد البشرية في المملكة، ولاسيما أنك رئيس تنفيذي لإحدى هذه الشركات العالمية التي تعتمد عليها الكثير من الجهات في رفع مستوى كفاءة قادتها وموظفيها؟
- في الواقع نرى أمامنا فرصة ثمينة في السوق السعودي؛ وذلك لأسباب عدة، يأتي في مقدمتها كما ذكرت لك محافظة الاقتصادي السعودي على معدلات النمو الإيجابية؛ ما يعزز احتمالات محافظة سوق التأهيل والتدريب لمنسوبي الشركات على انتعاشه، ولا أخفيك أنني خلال زيارتي الحالية للمملكة ولقائي بالمسؤولين الحكوميين لمست وبشكل واضح التوجُّه الكبير والحرص الشديد على تعزيز مبادئ التدريب والتطوير ورفع مستوى الكفاءات البشرية والرغبة في إيجاد نقلة جديدة في هذا الجانب، وهذا سبب يدعونا أيضا إلى التفاؤل بمستقبل الاستثمار في تطوير الموارد البشرية في المملكة.
وباختصار فإن جميع هذه العوامل الإيجابية تقودنا إلى توقعات بزيادة الطلب على تطوير الموظفين وعلى الشركات المتخصصة في هذا المجال، يصاحبها قلة في العرض، فلا يوجد الكثير من المنافسين الذين يمتلكون الإمكانات العالمية والخبرات التاريخية المتخصصة في تطوير القادة ومنسوبي الشركات.
* في نظركم، ما المعايير الأساسية التي يقاس عليها نجاح أي جهة في إعداد الموظفين بالشكل المناسب؟ وما المفاهيم الأساسية لتطوير التنفيذيين والموظفين بشركات القطاع الخاص؟
- ينبغي على الشركات إدراك أهمية وضع القيادة المناسبة وذات الكفاءة في المقام الأول ومن ثم الشروع في تطبيق وتنفيذ البرامج التطويرية المناسبة للقادة في المناصب العليا والمتوسطة والعادية، وعلى الجهة المطورة للموارد البشرية في الشركة أن تراعي مواطن الحاجة للتطوير مع التركيز الشديد على تطوير السلوكيات وأساسيات التعامل وزيادة مرونتها.
وهناك أساليب مختلفة تؤدي إلى نتائج مختلفة في توجيه الموظفين؛ فمثلا استخدام المشاورة والاقتراحات مع الموظفين كأن تقول (عملت جيدا اليوم وبطريقة رائعة في مهمتك الأولى، ولكن المهمة الأخرى ألا ترى أن نتعامل معها بطريقة مختلفة كأن نعمل كذا وكذا)، وهذا أفضل من توجيه الأوامر الصارمة التي قد تدفع الموظف إلى أن يؤدي عملة دون رغبة واقتناع داخليين؛ ما قد يؤثر سلبا على جودة المنتج.
ودعني أعود إلى تطوير القادة لما له من أهمية؛ فتطويرهم لا يتم بالمحاضرات والكتب فقط، وإنما من خلال اكتساب سلوكيات وأساليب إدارية مرنة ومتطورة وجديدة من شأنها التعاطي مع المتغيرات داخل منظومة العمل في الشركة بشكل سريع وإيجابي.
نموذج لتخطي العقبات
* هل لديك نموذج للاستشهاد به على نجاح مثل هذه الآليات؟
- دعني أستشهد لك بأحد الأساليب المبتكرة التي طبقتها شركتنا عند مواجهتها لمشكلة داخل إحدى شركات إنتاج البرامج وأنظمة الكمبيوتر؛ حيث كان الموظفون في قسم الجودة التابع للشركة يعتبرون أداء وعمل زملائهم الموظفين في قسم الأنظمة والبرمجيات سيئا لوجود بعض الثغرات في المنتج، بينما يعتقد موظفو الأنظمة أن الوضع طبيعي ولا توجد هناك مشكلة في حصول بعض الثغرات البسيطة التي قد تحصل في كبرى الشركات المماثلة. ولحل هذا الاختلاف الداخلي عمدنا إلى جعل موظفي القسمين يتبادلون الأماكن خلال فصول التدريب؛ وذلك بهدف اطلاع كل قسم على ما يواجهه القسم الآخر عن قرب ومعرفة أسباب ومبررات ودوافع التذمر الحاصل، إضافة إلى معرفة ما يقود أي قسم للاقتناع بمستوى أدائه؛ فكانت النتيجة أن تقاربت وجهات النظر وأصبحوا على اطلاع أكثر بتفاصيل أعمالهم؛ ما زاد من الانفتاح بين الموظفين وبالتالي زاد استيعابهم لمهامهم.
غياب المفاهيم الحديثة للتدريب
* ما أحدث الطرق المتبعة في تدريب وتطوير التنفيذيين والقادة داخل الشركات؟
- لا توجد مفاهيم حديثة للتدريب والقيادة؛ فالسياسات الإدارية لم تختلف منذ عقود، وشركات تطوير الموارد البشرية تعتمد على نفس المبادئ باعتبارها تنطلق تحت مظلة الإمكانات البشرية المتاحة، وطبيعة البشر على اختلاف انتماءاتهم متقاربة، ولكن التقنيات المستخدمة في تطوير منسوبي الشركات شهدت نقلة نوعية؛ حيث أضافت الثورة المعلوماتية في تقنيات الاتصالات والبرمجيات الكثير من المرونة في وصول تلك الأساسيات والمفاهيم إلى الشرائح المستهدفة.
هوية الشركات
* كيف تتعامل شركات تطوير الموارد البشرية مع الهوية والقيم الخاصة بالشركة المراد التعامل معها؟ وهل من الممكن أن تساهم شركات التدريب في إعادة رسم تلك الهوية؟
- سؤال جيد، وهذا الأمر يجب أن يأتي في أولويات عمل شركات تطوير الموارد البشرية؛ حيث ينبغي أن تتفهم الهوية والقيم التي تسير عليها الشركة وفلسفتها في المجتمع وتحديد رؤيتها واستراتيجيتها الاستثمارية باعتبار أن أولى خطوات تطوير القادة والموظفين تستند إلى تفعيل تلك القيم وكيفية تدريبهم عليها، وهنا أعود إلى القول بأنه ينبغي أولا وبشكل أساسي لشركات تطوير الموظفين معرفة احتياجات عملائها من شركات القطاع الخاص ومن ثم الشروع في المهام الأخرى.