في خضم الاضطرابات التي تسببت فيها الأزمة المالية العالمية تبلورت صورة مغايرة للاقتصادات الخليجية بعضهم يعتبرها مفاجأة.. فالجميع يعلم بأن الاقتصادات الخليجية هي اقتصادات بترولية تعتمد على إيرادات المصدر الوحيد، وأن كافة مداخليها ترتكز عليه، في المقابل تتجه نفقاتها إلى أشكال داخل البنية التحتية وتوسيع القواعد الخدمية الحكومية.. وينتقدها الكثيرون بأنها لم تتمكن من بناء قواعد صناعية حقيقية، وأن اقتصادياتها تقوم على المورد الوحيد وهو النفط.. رغم كل ذلك، فعندما جاءت الأزمة المالية العالمية ظهر وجه آخر للاقتصادات الخليجية.. وجه يدلل على أنها ليست مجرد آبار نفطية أو دول تقدم وقود الشتاء للدول الصناعية، بل ظهر أنها اقتصادات قوية تمتلك تأثيرا قويا في النطاق الاقتصادي العالمي، بل وتتأثر اقتصاديا من جوانب متعددة خارج نطاق التأثر بأسعار النفط المعهودة.. فكيف جاءت هذه القوة الاقتصادية؟ ومن أين تولدت؟ وخاصة إذا كان بعضهم لا يزال يعتبر الاقتصادات الخليجية حبيسة المورد النفطي؟
الأزمة العالمية ومواطن
الاهتمام العالمي باقتصادات الخليج؟
بداية أصبحت الأموال الخليجية المستثمرة في الخارج محور اهتمام عالمي، سواء من حيث الكم أو من حيث مواطن استثمارها التي اتضح أنها متغلغلة في أعماق الخريطة الاستثمارية العالمية.. سواء في البورصات العالمية الشهيرة أو البنوك أو الشركات المالية الكبرى المؤثرة في الاقتصاديات المتقدمة، واستثمارات الخليجيون في شركات AIG وسيتي جروب وغيرها لا تخفى على أحد.. ثانيا فإن النصائح الفكرية وغير الفكرية التي بدأت تقدمها كافة المؤسسات الدولية لدول الخليج فيما يخص كيفية بناء عمليتها الخليجية الموحدة، والتي جاءت جميعها تنادي باتخاذ الدولار كركيزة للعملة الموحدة لتؤكد مدى أهمية هذا الربط ليس للعملات الخليجية ولكن أهميته للاقتصاد الأمريكي أولا والعالمي ثانيا، بما يؤكد فرضية أن العملات الخليجية أصبحت سندا حصينا أساسيا للدولار بل أن تخلى عنه القريب والبعيد.. ثم أيضا ظهرت أدوار الصناديق السيادية الخليجية في ليس شركات كبرى ولكن في اقتصادات العالم المتقدم، وكيف أنها نواة أساسية لبنيانها الاقتصادي والاستثماري..
ماذا إذا نضب النفط الخليجي الآن؟
بعضهم يبالغ في تأثير النضوب ويسعى لإشعارنا بأن هناك كارثة وأن الاقتصادات الخليجية ستنتهي وسيعود عصر قديم من جديد، إلا أن الواقع الاقتصادي يؤكد غير ذلك.. فالإيرادات النفطية رغم أن بعضهم يقول بأنها أنفقت على خدمات رفاهية أو معيشية وأنها لم تخلق بنيانات صناعية إلا أن هذه الأقاويل ليست حقيقية مطلقاً، وذلك لسبب وحيد هو أنه ينبغي أن نفرق بين الأرقام المطلقة والأرقام النسبية.. فعلى سبيل المثال في المملكة عندما نتكلم عن نسبة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي نلاحظ أنها تصل إلى نسبة 10-11% وهي نسبة صغيرة فعلا، وينبغي تشجيع زيادتها لتصل إلى 20% على الأقل مثلا.. إلا أنه من جانب آخر لكي نكون حياديين ينبغي أن ننظر إلى قيمة هذه النسبة ونقارنها بدول أخرى مشابهة لكي نتعرف على التقييم الحقيقي للصناعة السعودية.. فقيمة الناتج الصناعي السعودي وصلت في عام 2007م إلى 136.2 مليار ريال، ويتوقع أن تنمو في عام 2008م بنسبة 5.4%، وبالتالي يتوقع أن تصل إلى حوالي 143.6 مليار ريال خلال عام 2008م.. ما نرغب في الوصول إليه هو أنه رغم أن نسبة مساهمة الـ10% للصناعة في المملكة هي نسبة صغيرة، وينتقدها الجميع تقريبا، إلا ان وصول قيمة الناتج الصناعي إلى 143.6 مليار ريال يعتبر إنجازا مقارنة بغالبية الدول العربية الأخرى.. فعلى سبيل المثال فإن أعلى ناتج صناعي في دولة عربية جاء في الإمارات العربية بقيمة 74.9 مليار ريال، يليها الناتج الصناعي لمصر وهو لم يزد عن 64.5 مليار ريال، وهي تمتلك أعرق قطاع صناعي عربي تقريبا. أي أن الإيرادات النفطية السعودية لم تذهب هباء، بل خلقت قاعدة صناعية تعتبر الأعلى والأثقل عربيا وتبدو محسوبة في مرتبة متقدمة على مستوى منطقة الشرق الأوسط ككل.
د. حسن الشقطي - محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com