الرياض- الجزيرة
فرضت التغيرات الكبيرة التي حدثت على مستوى الاقتصاد العالمي في الفترة الأخيرة واقعاً جديداً تبدو أبرز ملامحه في بروز الاقتصاد الإسلامي كخيار يتطلع إليه العالم كله، هذا الواقع الجديد ترتب عليه مشهد آخر أو بالأحرى واجب يتمثل في ضرورة التحرك في اتجاه بناء عالم إعلامي متخصص يهتم بالاقتصاد الإسلامي وتفاصيله، وهذا ما يتطلب الإجابة عن كثير من الأسئلة التي تتناثر في سياق هذا الواقع الجديد، أسئلة تتعلق بالخطاب الإسلامي الاقتصادي وشكله وكيفية توجيهه للتعريف بالاقتصاد الإسلامي ثم وهذا هو الأهم.. هل من الضروري وجود إعلام متخصص في الاقتصاد الإسلامي، من صحافيين وإعلاميين وصحف وقنوات.
ونقل موقع الهيئة العالم الإسلامي الاقتصادي رؤية الدكتور عثمان أبو زيد وهو باحث وأكاديمي متخصص في الإعلام الذي يؤكد أن التخصص أمر لا غنى عنه مع التغيرات الماثلة في الوضع الإعلامي، وقال: إنه من المهم أن يكون لدينا إعلام اقتصادي، على غرار الإعلام الرياضي والسياسي، ومضى أبوزيد أبعد من ذلك، حينما نادى بالتخصص الفرعي الدقيق داخل الإعلام الاقتصادي، وأضاف أن كثيرا من الإعلاميين اليوم يقتحمون هذا المجال دون تخصص، في الوقت الذي يحتاج فيه الأمر إلى كثير من التدرب لفهم اللغة الاقتصادية المتخصصة ومن ثم نقلها إلى الجمهور بلغة سهلة ومفهومة، وهذا ما يصفها بالمهمة المتخصصة التي لا يتمكن من الوفاء بها إلا إعلامي لديه خلفية اقتصادية شرعية، أو اقتصادي صاحب قدرة مهنية إعلامية.
الاتجاه نفسه نجده عند لاحم الناصر الخبير في المصرفية الإسلامية الذي نادى بضرورة التخصص خاصة في ظل ما نشاهده من تشعب في مجالات العلوم المختلفة، وأضاف أنه لا يمكن لصحافي غير متخصص أن يدرك تفاصيل العلوم المالية الإسلامية ومصطلحاتها وخطابها وإدراك مواطن القوة والضعف فيها ومعرفة المبرزين فيها، وهذا في رأيه يحتاج إلى متخصصين قادرين على التعامل مع لغة الاقتصاد الإسلامي وتطبيق مصطلح السلطة الرابعة التي تطلق على الصحافة وبالتالي القيام بدورها الرقابي الذي يتعاظم في حالة الاقتصاد الإسلامي خاصة وأن النشاط المالي هو من أشد القطاعات حاجة إلى هذه الرقابة لأنه قائم على أسس هي من أهم العوامل الدافعة له ألا وهي احتكامه إلى الشريعة الإسلامية.
وأضاف الناصر أن غياب الإعلام المالي الإسلامي المتخصص هو السبب فيما وصفه من انحراف في أهداف وطرق ووسائل تطبيق صناعة الصيرفة الإسلامية اليوم، وأضاف أن وجود مثل هذه الصحافة ضرورة لفضح الممارسات المخالفة للشريعة الإسلامية التي تمارسها بعض المؤسسات المالية الإسلامية أو التي تبيع منتجات إسلامية، ومضى قائلاً: إننا اليوم وبسبب هذا الغياب لا نستطيع التفريق بين المصارف الإسلامية والتقليدية من حيث التزامها بالأخلاق الإسلامية، وفي ظل كل ذلك يدعو الناصر إلى وجود إعلام مصرفي إسلامي متخصص يكون محايدا ونزيها، ويمارس دوره الرقابي والتوعوي بعيدا عن النظرة التجارية وضغوط المعلن.
التباس الدور وعن دور الإعلام في هذا الوقت ومدى إمكانية خدمته للاقتصاد الإسلامي قال الدكتور عثمان أبو زيد: إن التفكير في (دور الإعلام (شيء ملتبس، فالنظرة العامة إلى علاقة الإعلام بالمجتمع تحتاج إلى تسديد، فنحن كما يقول ننظر إلى الإعلام على أنه خادم أو تابع، ولا نفكر أنه شريك أو معاون، وأضاف أن للإعلام دورا إخباريا ومعرفيا وتوجيهيا، وتعبويا.
وهذه من المفاهيم التي استقرت في الفكر الإعلامي، ولكننا اليوم في حاجة إلى فهم العلاقة المشتركة بين الإعلام وبقية فعاليات المجتمع، وأين يكون دور الإعلام حاسماً وأين يكون دوره مسانداً.
وأضاف أن توصيات المؤتمر العالمي السابع للاقتصاد الإسلامي الذي انعقد في رحاب جامعة الملك عبد العزيز في جدة العام الماضي أشارت إلى ضرورة تحديد علاقة الاقتصاد الإسلامي بغيره من الأدبيات، وكذلك إلى أهمية رصد جهود غير المسلمين المهتمين بالاقتصاد الإسلامي، أو بالاقتصاد الأخلاقي وما شابهه من مؤسسات وأفراد والعمل على التنسيق والتعاون معها.
وأشار أبوزيد إلى الأدبيات الموجودة عن الاقتصاد الإسلامي في فرنسا وبريطانيا وأمريكا، وقال: إنها تضاهي ما هو مكتوب لدينا في الجامعات الإسلامية أو تزيد عليه.
كما يبدو ذلك واضحاً في التناول الكثيف لقضايا الاقتصاد الإسلامي في الإعلام الغربي.
وتزايد إنشاء المصارف الإسلامية هناك، وأضاف أنه مثلما نتحدث عن دور الإعلام في الاقتصاد الإسلامي، دعنا ننتبه أيضا إلى دور الاقتصاد الإسلامي في الإعلام، لأن المسألة تبادلية، كما دعنا نسأل عن دور المؤسسات المالية والمصرفية، وعن آفاق الاستثمار والعلاقات التجارية البينية بين دول العالم الإسلامي. التخطيط أولا وفي ظل هذا الواقع من المهم أن يقوم الإعلام بواجبه، وهذا الواجب بحسب أبوزيد يحتاج إلى عناية بالتخطيط، ومعرفة ما نريد أن نفعله، وكذلك الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها.
ويضيف أن المدخل لأي عمل ناجح هو التخطيط. والتخطيط معناه أن نعي واقعنا ونعي التغيرات الحاصلة في العالم، فمنذ أيام صدر تقرير مهم عن نادي دبي للإعلام يشير إلى أن العالم يتجه إلى تفضيل الهاتف المحمول باعتباره وسيلة الاتصال الأولى، وهذا كما يقول يدعونا إلى التفكير في تجديد أقسام الإعلام القديم والعمل على مسايرة ما يحدث من ثورات في عالم الإعلام والاتصالات. أما الناصر فله رأي مختلف فهو يقول: إن الإعلام العربي اليوم في جله ليس إعلاما محترفا حيث يمارس دوره في المجتمع عبر نقل المعرفة إلى المتلقي والرقابة على المجتمع ومؤسساته فهو كما يصفه إعلام لا يتميز بالعمق، ويفتقر إلى التخصص الذي يميز الإعلام الغربي والمهنية التي تطبع عمل الصحافي في الغرب ويضيف إننا اليوم في أمس الحاجة إلى صحافة متخصصة وصحافيين مهنيين ليمارس الإعلام دوره الذي وجد من أجله سواء كان إعلاميا اقتصاديا أو سياسيا أو اجتماعيا.