أفغانستان والباكستان يقال عنهما، أو عن الصراع المسلح في كل منهما: (الصفقة الموحدة)، يضاف إلى ذلك الخلافات التاريخية المتأصلة بين الهند وباكستان. من الملاحظ أن الصراعات (المحلية) يجب أن تعالج (إقليميا) إذا كان لها امتداد إقليمي، والمعلوم أن معظم الصراعات إن لم يكن جميعها تتوسع إقليميا مع مرور الوقت،
وبالتالي فحلها لابد وأن يكون كذلك.
المعرفة الجغرافية بمنطقة وسط آسيا تساعد على فهم جيواسترايجيتها. تحول (وادي سوات)، الواقع في الشمال الغربي من باكستان، وعلى بعد 160كم من إسلام أباد، إلى منطقة صراع بين الجيش الباكستاني وطالبان الباكستانية، إن لم يكن المحطة الأخيرة لبعض رؤوس طالبان الأفغانية. لقد سيطر الجيش الباكستاني على هذه المنطقة الحيوية من الباكستان، أحيانا تسمى (سويسرا الباكستانية)، تم فقده لصالح طالبان الباكستانية التي أسست قطاعاتها الأمنية فيه، وطلبوا من المؤسسات القضائية والبيروقراطية مغادرة الوادي.
وهنالك تقارير تشير إلى تدمير ما مجموعه 200 مدرسة من قبل طالبان الباكستانية، كما أن هناك دلائل بانتقال بعض قيادي القاعدة إلى هذا الإقليم، وبذلك يبتعدون عن الحدود الباكستانية الأفغانية، وإقليم سوات متوغل في البعد، إذ لا بد من عبور أكثر من نصف الباكستان للوصول إليه. والجيش الباكستاني تحت ضغوط من الناس ومن الصحافة بإزالة طالبان من الإقليم، والجيش متهم بالتخاذل في هذه الناحية ومحرج في الوقت نفسه لفقدان الإقليم لطالبان وللقاعدة.
أما استراتيجية الجيش فتتمثل بتحريك المدنيين إلى خارج المنطقة ليتم قصف طالبان التي تتمركز ويزداد وجودها فيها، وهنالك مزايا في المنطقة من وجود الطرق المتطورة والاتصالات بأنواعها وعلى بعد من إسلام أباد بثلاث ساعات، وهذه المنطقة المتميزة سياحيا تتغير وتتراجع إلى الوراء أمنيا ولجستيا بسبب انتقال القاعدة وطالبان إليها، والقاعدة التي كانت تستعمل الحيوانات في التنقل أصبح بإمكانها الاستفادة من إمكانات النقل والمواصلات الحديثة في الإقليم.
وبالنسبة للتعزيز الأمريكي الذي سيرسل إلى أفغانستان، والمكون من 30 ألف جندي خلال عام ونصف العام، فتلكم إستراتيجية الجنرال بترايس التي سبق وأن تم ممارستها في العراق. وهذا التعزيز سوف يوجه لحماية السكان والقضاء على طالبان كما يزعمون. أما مبعوث أوباما لآسيا أولبرك فسيزور باكستان لأول مرة، ومن المعروف عنه أنه دبلوماسي بارع، ومن المتوقع أنه سيتكلم بوضوح في هذه المهمة. لم يكن أحد في فترة بوش يريد أن يقول شيئا، وكانت (قضايا الصراع) تدار في عهد بوش من قبل الجيش، أما في عهد أوباما فمن المتوقع أن تدار من قبل الخارجية. لقد شكل المبعوث الأمريكي فريقا من الأكاديميين والاقتصاديين (والمخباراتيين)، وذكر لكرازاي في لقاء معه منذ أيام أن السياسة الأمريكية بالنسبة لأفغانستان سيتم مراجعتها من الألف إلى الياء. إضافة إلى أن المملكة لها دور في فتح قناة من المفاوضات مع طالبان، ومن المؤمل أن تكلل هذه الجهود بالنجاح. والحقيقة أنه ليس من المتوقع أن يتم التفاوض مع ملا عمر الذي يمثل الجانب الأيديولوجي لطالبان، ولكن يمكن التفاوض مع مجموعة من طالبان الذين يحاربون لأسباب شخصية، فئة من طالبان قتل إخوانهم وأبناؤهم وهدمت قراهم، هؤلاء أكثر وسطية إذا ما قورنوا بطالبان حملة الفكر القاعدي، ولقد أصبح الأمر حقيقة واضحة أنه لا يمكن إنهاء القتال بالقتال.
بالتأكيد هنالك فرصة أمام الإدارة الأمريكية الجديدة، ومن المؤكد أن السياسة التي اتبعت من قبل إدارة بوش سيجرى عليها تعديلات جذرية، إلا النافذة الزمنية المتاحة تزداد ضيقا يوما بعد آخر، فإذا كانت تلكم النافذة تتراوح بين عام إلى عامين، يؤكد المراقبون أنها تضيق لتصل إلى عدد من الشهور قد لا تتجاوز ستة شهور. هنالك عدد كبير من المعوقات: التكوين القبلي والحقائق الجغرافية، لكل من أفغانستان والباكستان، والتباين الإيديولوجي ضمن الفئات المتصارعة والضعف الإداري والبرلماني في البلدين والمشكلات غير المحلولة ضمن الإقليم الأكبر من وسط آسيا، تحديدا، المشكلة الكشميرية.
أما الوضع في باكستان، فالملاحظ أنه بعد إنهاء الحكم العسكري منذ عام مضى، هنالك ضعف في القيادة وفي الجانب السياسي، وهنالك خطورة لاندلاع صراع عسكري مع الهند. يضاف إلى ذلك الوضع الاقتصادي المنحدر، بطالة مرتفعة، لا علاقة لها بما هو حاصل للاقتصاد العالمي، الوضع الاقتصادي المتدهور في باكستان كان موجودا قبل الانهيارات العالمية. وعلى الرغم من ذلك فإن هنالك ما يساعد على التفاؤل والمتمثل في المؤمل من الإدارة الأمريكية الجديدة. المتوقع من أوباما أن يأخذ الباكستان وأفغانستان بجدية، ليس من الناحية العسكرية بل من الناحية المدنية.
عامة الناس من الأفغان متفائلون بالإدارة الأمريكية الجديدة، والخاصة قلقون من أوباما حيث لا يعلمون كيفية التعامل معه. وبشكل عام فإن موضوع ترسيخ الوئام بين باكستان والهند، وهذا يتطلب حل المشكلة الكشميرية، يعتبر على جانب كبير من الأهمية ويصب في حل المعضلة الأفغانية بشكل غير مباشر. تتمثل معادلة الصراع في الجنوب الآسيوي في إنهاء الصراع الهندي - الباكستاني، الذي من شأنه أن يتيح لباكستان التركيز على المساعدة في حل المشكلة الأفغانية.
ما أشبه الليلة بالبارحة لقد مكث الروس في أفغانستان في السبعينيات عشر سنوات وانسحبوا منه مخلفين مليونا من ضحايا الحرب من الأفغان وآلافا من المقاتلين الروس (14 ألفا على وجه التحديد)، وماذا كان مقابل ذلك؟، لا شيء، عدى الدمار والخراب. كان المجاهدون الأفغان، كما يسميهم الأمريكان، يحاربون الروس في خندق واحد مع الأمريكيين. والآن وبعد الدرس الذي يظهر أنه لم يتم استيعابه، سوف يرسل الآلاف من الجنود لتعزيز وجود الغازين. ستعيد قوات التحالف الغلطة التي اقترفها الروس في السبعينيات، فهل ستمكث قوات التحالف في أفغانستان أكثر مما مكثته القوات الغازية الروسية؟
أما الممارسات من قبل طالبان فتشمل وضع رسائل على أبواب المنازل ليلا تتضمن تهديدات صريحة تحذر التعامل مع الدولة والأجانب، كما تشمل تهديدات عبر الهواتف. أما الانتخابات فلقد أجلت من مايو إلى شهر أغسطس، وقد يعود سبب التأخير لمجرد كسب وقت، حيث إن مسألة إعادة انتخاب كرزاي أصبحت شيئا مشكوكا فيه. لقد فقدت حكومته المصداقية بسبب تفشي الفساد الإداري فيها، وتشير التقارير إلى وجود شعور يصل إلى درجة السخط ضمن الناس. والملاحظ أنه يتم تعيين المسؤولين الذين لا يصل تعاونهم مع الناس إلى الحد الأدنى من التعامل الإنساني، وباختصار لم يعد لدى الإدارة الأفغانية الثقة الكافية للقضاء على الفساد ولا محاربة من يقف وراءه.