سؤال يتبادر إلى ذهن العامة والخاصة إبان كل تغيير وزاري، وبخاصة إذا كانت الوزارة من ذلك النوع الذي يحتاج إلى وجود رجل له لمسته الخاصة، لكن الحال مع وزير الثقافة والإعلام الجديد اختلفت كثيراً، فأصبح السؤال: ولماذا تأخر عبدالعزيز خوجه؟ في واقع يعكس ثقة مفرطة في أهلية الوزير الجديد لكرسيه، وقدرته على إضفاء اللمسة المنتظرة المرتقبة بيد شاعر رقيق، ودبلوماسي محنك أيضاً، على وزارة طاولتها مثقلة بأكثر من ملف، تتجاذبها - وأحياناً تتنازعها - أطراف عدة.
إذن وقع الاختيار على الشاعر الدبلوماسي عبدالعزيز خوجه، ليحمل الهم الثقافي والإعلامي في بلاده بين جوانحه إلى جوار همه الشعري الإبداعي، والقيادة الحكيمة لم تختره إلا وكلها يقين أن الرجل لن ينوء بحمله، وأنه مثلما كان شاعراً مبدعاً، ودبلوماسياً مبدعاً، سيكون - أيضاً - وزيراً مبدعاً.
ولعله مما سيهون على معالي الشاعر الوزير طريقه الصعب المتعرج المتشابك كثير التفريعات، تلك الأرصدة من الثقة والمحبة التي يدخرها له في قلوبهم كل من التقاه، وكثيرون ممن لم يلتقوه لكنهم سمعوا عن شمائل الرجل، فقد عرف عبدالعزيز خوجه بلطفه وحسن خلقه مع من يعرف ومن لايعرف، هذا على المستوى الإنساني، أما على مستوى المسؤولية، فقد كان خوجة الدبلوماسي خير سفير لبلاده، حقق نجاحاً كبيراً في دبلوماسية شائكة، في بلد معقد الأوضاع، عصفت به أكثر من عاصفة، فكان خوجه نعم السفير الذي رفع رأس دولته عالياً، وجنبها مزالق السياسة بحنكته ودبلوماسيته الفطنة، فضلاً عن قدرته المدهشة على إقامة علاقات حميمية هناك جعلت منه أنموذجاً فريداً كان محلاً لإجماع الفرقاء على حبه واحترامه، على الرغم من تفرقهم في ما دون ذلك.
كان هذا دائماً شأن رجل المهام الصعبة عبدالعزيز خوجة الذي أتى من مغرب البلاد ومغرب الدولة إلى مشرقها ولبنان الصغيرة بمساحتها الكبيرة بمشاكلها، العذبة التي لا تخلو من الفخاخ، لكن الرجل تعامل مع هذا كله برقة الشاعر وحنكة الدبلوماسي، فنجح بسلاسة لا تتسنى إلا لخوجه وحده، في قطع الطريق على المتربصين والمنتفعين، فتحققت على يديه المعادلة الصعبة.
ومن قبل كان في بلاد الرقة والشعر والشعور الذي يتوافق معه طبعاً لا تطبعاً. وقبل ذلك وذاك فعبدالعزيز خوجه ابن وزارة الثقافة والإعلام، ومعشوقها القديم الذي خلع بردة الشعر عنه حيناً من الدهر وانصرف إليها، منشغلاً بها، متوشحاً بردتها، مضحياً بحق عبدالعزيز خوجه الشاعر مرهف الإحساس، مؤثراً عبدالعزيز خوجه المسؤول الذي قام بمسؤوليته على نحو من الجدارة والأمانة شهد له الجميع.
واليوم وهو يتربع على قمة هرم الوزارة التي بدأ فيها أولى مسؤولياته تتجه صوبه الأعين، وتعلق عليه الآمال، متطلعة لذلك الجديد المنتظر أن يحدثه وجود رجل بقامته وطاقته وقدراته على أكثر من صعيد في هذا الجهاز الكبير والحساس المتشعب المسؤوليات الذي لا نكون مبالغين إن قلنا: إنه يمس كل شؤون الناس من دون أدنى مبالغة. بلادنا قبلة المسلمين، وإعلامنا قدوة الإعلاميين - أو هكذا يجب أن يكون - ورسالتنا واضحة لا لبس فيها ولا غبش، فنحن دعاة للحق دوماً عقيدة وفكراً وسياسة، ولم يعهد عنا بلبلة في فكر ولا خلل في سياسة، الوسطية شعارنا في أخذنا وعطائنا، والرفق ديدننا، نؤثر على أنفسنا ولو كان بنا خصاصة.
أقول ذلك يا معالي الوزير وأنا أشارك كل مواطن على أرض هذا الوطن الطموح التطلع إلى نقلة نوعية كبرى تعتري قطاع الثقافة والإعلام، يملأنا شعور واثق انه قد حان موعدها الآن، وعلى يدي معاليكم.