بعد أن أغلق معرض الرياض الدولي للكتاب أبوابه، هناك ألف نافذة أشرعت في المقابل, وهناك مئات من الحقول استزرعت ببذار المفردات وكمنت محملة باحتمالات المواسم القادمة.
في معرض الكتاب لم يكن الكتاب هو سيد المشهد، ولم يكن هو الوعاء المعرفي الوحيد الذي أتاح المعرفة لرواده, كان هناك العديد من أساليب المثاقفة التي تخصب الفعل الثقافي كشرط إنساني وحضاري للمجتمعات.
كان هناك اللقاءات الجانبية بين مثقفي المناطق, حيث تم علاج وجع المسافات ووحشة الغياب وتسابقت الكتب المتبادلة ترافق الأيدي في ترميم فجوة المسافات والغموض المناطقي بلغة وطنية منشغلة بالقادم المحمل بالضوء.
وفي يوم(حليمة) انخفض في البداية الكلام واصطفت الأجساد تحاول أن تكفكف النساء إلى مواقعهن القديمة, ولكن في النهاية رشق اسم حليمة فوق خشبة المسرح الذي ستخطو باتجاهه النساء ويستعدن مساحاتهن القديمة, ورضي الجميع (على مضض) بكلمة سواء تتوسط الجميع, كانت جميع الأطراف من خلال هذه الكلمة تدرب المفردات على بهجة التجاور والتعايش في نجاح يحسب في النهاية لمعرض الكتاب وأجوائه ومسافاته وردهاته.
الخيمة الثقافية والأنشطة المنبرية أيضا كانت تنهض في وجه عواصف الغبار وكثبان الرمال, وجميع العوامل التي تسعى إلى اختلاس ألوان المكان وحصره تحت لون واحد كئيب وشاحب, بين أعمدتها كان هناك المستمع والمستمتع والمزمجر والمندهش والمنكر، لكن حتما جميعهم بعد مغادرتهم الخيمة اختبأ بين تلافيف أرديتهم وحقائبهم مجموعة من الأسئلة ستقلق سكونهم وتشاغب مسلماتهم.
في يوم المحاضرة المخصصة للطيب صالح, هدد المثقف النوعي الذي كان يدير الجلسة الأستاذ علي الشدوي بمغادرة مقعده إذا لم يسمح لجميع الأطراف بالتحدث والتعبير عن آرائهم، وهو هنا كان يؤسس لفعل حضاري خلاق أيضا في النهاية يحسب كمناخ إيجابي لمعرض الكتاب.
وداخل كل هذا كانت هناك العائلة (الأب والأم والأخوات والإخوة) جميعهم سويا يغدون خماصا مسكونين بالفضول والشوق المعرفي, ويعودون بطانا محملين بحقائب الكتب. والمدهش العجيب الذي سيتحول لاحقا إلى مصابيح تضيء درب القوافل وتقودهم باتجاه مجتمعات الغد المستقبل والاقتصاد المعرفي.
أقفل معرض الرياض الأبواب.. وأشعلت النوافذ أضواءها داخل البيت السعودي الكبير.