النصيحة في الإسلام رأي آخر تقدمه لأخيك المسلم لحضه على فعل الخير، أو تشجيعه على التمسك بالفضيلة، أو الابتعاد عما تراه حسب تقديرك الشخصي لا يستقيم مع تعاليم الدين أو أخلاقياته. وإذا أديت النصيحة تبرأ ذمتك، وتنتهي مسؤوليتك، ولا حق لك بعد ذلك أن تحمل الناس حملاً على تنفيذ النصيحة، خصوصاً إذا كنت لست بذي صفة، بمعنى لا علاقة لك بالأجهزة التنفيذية التي أوكل إليها ولي الأمر صاحب البيعة، مسؤولية الضبط الأخلاقي أو الاجتماعي في الدولة.
الدكتور يوسف الأحمد الذي يعمل مدرساً في جامعة الإمام، كتب في موقعه على الإنترنت عن معرض الكتاب الذي أقيم في الرياض ما نصه: (ولقد تمت مناصحة وزير الثقافة والإعلام (كذا)، وكذلك وكيلها الثقافي (المشرف على المعرض) الأستاذ عبدالعزيز السبيل كثيراً جداً جداً ولكنه لا يزال مصراً على إبراز أصحاب الفكر الضال والروايات الجنسية الساقطة. والواجب الشرعي على الدولة أن توقف هذا المد المخيف من التغريب والعلمنة، وأن تبعد الخونة والمنافقين من وزارة الثقافة والإعلام) انتهى!
لا أدري كيف أباح لنفسه هذا المدرس أن يصنف الناس، ويضع من يختلف معه في خانة (الخونة والمنافقين)، وهو اتهام في منتهى الخطورة، يجب أن يُحاسب عليه، بعد أن وصل به (التهور) إلى هذه الدرجة من الإسفاف والتجني.
معرض الكتاب الذي شن هذا المدرس عليه هجومه فعالية (ثقافية) من الفعاليات التي تشرف عليها أجهزة الدولة، وتشترك فيها (الرئاسة العامة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وهي الجهة الرسمية المخولة للتعامل مع هذه الأمور. ربما أن هناك بعض المؤلفات في المعرض التي تختلف مع توجهات هذا المدرس أو غيره، وربما أنها (متطرفة) في طرحها الفكري، وقد تكون - أيضاً - تحمل فكراً خاطئاً لا يستقيم مع تعاليم الإسلام، غير أن هذه الاحتماليات لا تخوله أن (يخوّن) الآخرين، ويصفهم (بالنفاق)، وهو يعرف أن الجهة المنظمة أقرت (آلية) للاعتراض على أي مؤلف جرى عرضه في المعرض، لتقوم بالنظر في الاعتراض، فإن وجدت له وجهاً صحيحاً تم منع الكتاب من العرض، وقد منعت بموجب هذه الآلية كثيراً من المؤلفات كما هو معروف.
استغلال (النصيحة) للتحريض على مسؤولي الدولة (حيلة) قديمة، استخدمها في السابق أصحاب (مذكرة النصيحة)، وباؤوا بالفشل، ليأتي هذا المدرس ويُعيد ما مارسه (أسلافه) المسيسون بالأمس، متجاوزاً أن هناك من هم أكبر منه علماً، وأرجح عقلاً، ومكانة علمية وعملية هم أصحاب الاختصاص في التعامل مع هذه الشؤون، وعندما يأتي مجرد (مدرس) ويتجاوز عمله، ومهمته الوظيفية، ويتعدى على صلاحية من هم أكبر منه، فهو ضمنياً يتهم كبار أهل العلم (بالتفريط)، وعدم تأدية الأمانة، قبل أن يتهم من يضطلعون بمهام الإشراف على هذا المعرض. السكوت على هذا المدرس، ومجاملته، وعدم إيقافه عند حده، تساهل، بل وتفريط، ونحن الذين عانينا تبعات وإفرازات هذه الثقافة المتزمتة الأمرين. كبح جماح هذا المدرس وأمثاله أمر يفرضه علينا حماية المسؤولين عن معرض الكتاب، الذين أدوا الأمانة، ونفذوا ما تمليه عليهم مسؤولياتهم على أفضل وجه. أن نذب عنهم سهام من اتهمهم بالخيانة والنفاق هو (أقل) ما يجب علينا فعله حماية لهم من هؤلاء المتجاوزين.
وختاماً بودي أن أسأل معالي مدير جامعة الإمام سؤالاً مفاده: هل يجوز (شرعاً) أن يتهم أحد العاملين لديه في التدريس مسلماً آخر (بالخيانة والنفاق) في مثل هذه القضايا؟ أرجو أن يلقى سؤالي هذا أذناً صاغية من معاليه.
إلى اللقاء.