هناك جوانب في مشروعاتنا أو بعضها يكتنفها خلل، أشير إليه في هذه الوقفة؛ وإني أحرص أن أتحدَّث عن الجوانب التي أسلكها وأراها أي طرقنا الطوال؛ ولعلي أشير إلى جانبين، أحدهما الحديث عنه ممتد وطويل؛ وهو المناقصات التي تعتمد -حسبما أدري- للأقل تكاليف، وأعلم أن الوزارات والمصالح الحكومية من خلال المختصين تقدر تكاليف كل مشروع تريد أن تنجزه، في حساباتها مقادير الزيادة والنقصان وفق الأسعار المتغيرة، ثم تشرع الوزارات والإدارات المخولة بطرح المشروع للمناقصة.. ومنذ فترة السيد زكي سعد الخبير يومئذ بدءاً من عهد الملك سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله- فإن المناقصة الأقل قيمة هي التي تقبل، في الاعتبار المواصفات والشروط والمآخذ في حالة الإخلال بتلك الاعتبارات، غير أن مبدأ قبول القيمة الأقل ومؤسساتنا تدرك المبالغ المقدرة، لكل مشروع بشيء محدد زيادةً ونقصاناً أمر لا يخلو من مشاكل؛ فالثمن أو القيمة الأقل لأي مشروع قد يعني أن إنجاز المشروع سيكون متدنيا في مستوى جودته، وهذا ينعكس على النتائج المحققة وفق الثمن الأدنى.. والأمم التي تبني مشروعاتها التي تريدها أن يمتد بها الزمن لا تجنح إلى التكاليف الأقل التي تفضي إلى جودة متدنية، ولذلك تراها تقيد المناقصات بشروط في الإنجاز لا تتهاون، وهذا الأسلوب أو التوجه يجعل جدوى المشروع محدودة، ويقود إلى أن المشروع الذي تكاليفه أقل من المقدر له، فلا يبقى الزمن المقدر له، والمسؤولون عبر مستشاريهم وخبرائهم يعون هذا الجانب جيدا؛ والمبدأ الحق أن تنجز مشروعا بتكاليف توازي الزمن المقدّر لبقائه، ولذلك نرى تجدد طرح المناقصات في أزمان قصار لا يوائم ذلك ما ينبغي أن يكون المبدأ القويم.. والمستشارون الذين يؤدون أماناتهم يقولون للمسؤول وجهة نظرهم بحق؛ وليسوا أوصياء ولا أصحاب الرأي الأخير؛ وهذه الحال تؤدي إلى ما يتردد على الألسنة من أن ذلك شيء موقوت، وهذا خلل يفضي إلى ضياع الأموال التي تنفق على مشروعات تظل موقوتة إلى ما لا نهاية!
طرقنا الطوال تتطلب الصيانة في أوقاتها؛ وهذا لا يتحقق، كما ينبغي؛ ولو أن الأمطار كثيرة وشديدة لرأينا التعرية في طرقنا وحتى شوارعنا داخل المدن؛ ومن المؤسف أن الترقيع الذي يتم في طريق المدينة المنورة ينفذ بشكل عشوائي.
وطريقنا الجنوبي: جدة - الليث - القنفذة، في هذا الطريق عشوائيات في جودة العمل، فهو طريق في جوانب منه - مرقع - كأنه عُمل اليوم، لنبدأ في الغد القريب نباشر صيانته وإلا ظهر عواره.. ولا أدري على أي مستوى يتم تنفيذ مشروعاتنا، وليت الحال تنحصر في الطرق مع أنها أساسية ومهمة، فهي شرايين النقل والسفر بين المدن.. ولو أصبح عندنا شبكة للسكة الحديدية تربط هذه القارة بلادنا، لأصبح مشروعات الطرق في المحصلة ليست الأساس؛ لأطمع أن أسمع أن مشروع السكة الحديدية قد تحقق إنجازه؛ لنستطيع الاعتماد عليه كوسيلة فاعلة عالمية؛ فالسكة الحديدية، لا أقول اليوم، ولكنها منذ الأمس البعيد عند الأمم المتقدمة، عماد الحياة في النقل الطويل المسافات وداخل المدن يوجد ما يسمَّى المترو؛ واستبشرنا حين قرأنا وسمعنا أن هذا المشروع رهن التنفيذ، ولعل الحال الاقتصادية العالمية أدت إلى تجميد هذا المشروع الحيوي الهام، ونحن نستطيع البدء مرحليا بادئين بربط المنطقة الغربية بالعاصمة ثم ونأخذ في مد خطوط هذا الشريان إلى الخط الساحلي على البحر الأحمر، بعد ربط أم القرى بالمدينة المنورة، والشمال بالجنوب، وهكذا.
وأعود إلى مشروعات طرقنا الطوال والقصار لأقول: إن حركة المقاولات - من الباطن - فيها إخلال ظاهر، لأن تكاليف المشروع تهتز نقصانا وتدنيا، حينما تتم عملية هذا الباطن، ويؤدي ذلك إلى تقليص الجودة لتصبح رداءة، ولا أعتقد أن هذا يؤدي إلى تحقيق أهدافنا في إتقان أعمالنا!
وما أكثر ما نقرأ أن مشروعا ما، أخذ من مقاول للإخلال من جانب المقاول، وما أكثر ما نسمع أن بعض المقاولين لم يعطوا قيمة ما أنجزوا، إلا بعد مراجعات قد تصل إلى توقف المقاول، يعطى له بالقطارة بعض استحقاقاته، ويتعطل من جراء ذلك المشروع وإنجازه، والحديث طويل في هذا الجانب وربكة التعامل غير السوي، لذلك، فنحن لا نحدد لمشروعاتنا متى تبدأ ومتى تنتهي! والحديث ذو شجون، كما يقول المثل السائر!