حين كان العرب والمسلمون أقوياء في الماضي كان الاختلاف الداخلي مقبولاً ولم يكن هناك حرج من بسط معتقدات الشعوب الأخرى، بل كان تناولها يتسم بالحياد على النحو الذي لا يصدر إلا عن ثقة بالنفس، لكن حين ضعف المسلمون في العصر الحديث بتحولهم إلى الفئة المغلوبة صار الحديث عن الاختلاف الداخلي غير مقبول وتزايدت الدعوة إلى الوقوف صفاً واحداً في وجه عدو مختلف ومخالف).
** ما سبق هو كلام الباحث المغربي اومليل أورده د. سعد البازعي في كتابه المعروض في معرض الكتاب الدولي في الرياض (الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف) الصادر عام 2008م من المركز الثقافي العربي.
** ومعرض الكتاب ذاته مجال يمكن أن يكون مجالاً لتطبيق مثل هذه الأفكار ويمكننا من خلالها طرح الفرضيات المتعلقة بقبول الاختلاف بين المثقفين ذاتهم في داخل محيط صغير هو معرض الكتاب، لندرك أننا فعلاً أمام مأزق ثقافي كبير يتعلق بأننا أمام ثقافة متفشية طاردة للاختلاف حتى وإن شنفت الأسماع بمقولات القبول والانعتاق من دائرة الرفض والطرد للمختلف سواء كان هذا المختلف من الداخل أو الخارج..!!
** الفاجعة أن تقف على تطبيقات مناقضة للرؤية الثقافية الداعية لحرية الرأي وقبول الرأي الآخر واستيعاب الاختلاف والمختلفين لبعضه بعضا.
كل هذا يذهب سدى فأنت ترى شللية مثيرة للحزن وميل نحو المتشابه ورفض حاد وقاطع لكل ما هو مختلف.. إلى الدرجة التي يظهر فيها التطرف والإقصاء وهي مهارة تجيدها كل الاتجاهات الفكرية بحرافة ودربة ممتازة تتوارثها الأجيال، فيتحول المناخ الفكري والثقافي إلى جهتين متضادتين تعيدك إلى فكرة المركز والتضادات الثنائية.
وعلى الرغم من ادعاء هؤلاء وأولئك بتبني مفاهيم التفكيكية الدريدية ورفض ما هو مغلق ومحدد إلا أنهم ومع أول امتحان يسقطون في هوة الإقصاء والمقاطعة!!
** ثلَّة أولئك الذين لم يقتربوا إلى خطوط النار المتواجهة منذ زمن.. لفحتهم /نعم/ مست شيئا من جلودهم /نعم/ لكنهم بقوا في منطقة لا يدعون فيها الحياد السلبي ولا يعتقدون بمراقبة الأوضاع عن بعد ثم الميل مع المنتصر إنهم ثلَّة ابتعدوا عن الهوى، أعطوا العقل فرصته ليستقل عن الأوصياء وينأى عن القديسين والمريدين، اختاروا أن يصدوا عن ضجيج مختلط بالأصوات والصراخ والعبارات المفخخة بالتخوين والإقصاء واختاروا أن يكونوا في جوار العقل، يقرأون الهدوء وينصتون إلى الاتزان وإلى ما يمكث في الأرض بعد انقضاء الحفلة وتفرق شمل المتصارعين على الفتات!!!
Fatemh2007@hotmail.com