بعد كل طرح موضوعي يتعلق بأهمية دعم سوق الأسهم السعودية، تتعالى أصوات الممانعة التي تُبنى في الغالب على فلسفة ما يُعرف باسم (حرية السوق)، تلك الحرية التي عُلِقَت على مشانق مُحدِثيها، بعد تدخُلات الحكومات الغربية الرأسمالية لدعم أسواقها المنهارة وشركاتها المفلسة.. يبدو أن غالبية ما يُطرح من حلول للأزمات المتتالية لا يرقى إلى إقتناع المسؤولين بأهميته.. تتعاظم الأزمة، وتتبخر الأموال، وتنهار السوق، فيتبعها المجتمع، والآراء ثابتة لا تتغير.. ثبات الرأي الأوحد رغم منطقية الآراء الأخرى عادة ما يقود إلى التأزيم، وتعميق المشكلة.
بعيداً عن التنظير، ندلف من باب الحقائق والوقائع، فهي خير شاهد على ما اختلف فيه من القول.. طالب الجميع بدعم سوق الأسهم وحمايتها من تداعيات الأزمة العالمية الخانقة، فجاء الرد سريعاً: (لن نتدخل في سوق الأسهم) وزادوا، (لم يسبق لأي من الحكومات التدخل في الأسواق المالية، إنما تدخلهم بطريقة غير مباشرة لدعم الشركات المنهارة)!.. قبلنا على مضض، ثم اكتشفنا توجه اليابان لدعم بورصة الأسهم (مع تنامي المخاوف بشأن التأثير الاقتصادي لتراجع أسعارها)، حيث أكد وزير المالية الياباني في مؤتمر صحفي بعد اجتماع حكومي نهاية الشهر الماضي (إن هبوط أسعار الأسهم غير مرغوب فيه، ويقود إلى تبعات غير مطلوبة، وقد تمت مناقشة ما يمكن عمله بصفة عامة مع موظفي الحكومة إزاء أسعار الأسهم).. ما صرح به الوزير الياباني أُشبع طرحاً في الصحافة السعودية منذ انهيار السوق، خصوصاً فيما يتعلق بجزئية (يقود إلى تبعات غير مطلوبة) إلا أن المسؤولين عن الشأن المالي لدينا لا يعتقدون ذلك، وهنا تكمن المشكلة التي سمحت بتتابع المشكلات حتى ضربت في كل اتجاه، واستوطنت كل منزل.
الوزير الياباني يعتقد بالتأثير الاقتصادي لتراجع أسعار الأسهم، وهو ما لا يعتقده البعض لدينا ممن يرون تأثير الاقتصاد على سوق الأسهم وليس العكس.. العلاقة في الاقتصاد لا يمكن أن تكون ذات اتجاه واحد، فالخطوط متداخلة والعوامل المؤثرة عادة ما تكون ذات اتجاهين متعاكسين يختلفان في القوة والتأثير، وكما أن الاقتصاد عامل مهم في التأثير على سوق الأسهم، وتحديد وجهتها، فللسوق أيضاً تأثير مباشر على الاقتصاد والمجتمع، ولعلنا لا نبالغ إذا ما قلنا إن التأثير الأكبر على الاقتصاد والمجتمع السعودي كان على علاقة بسوق المال، اقتصاد الفرد والمجتمع هو الهم الأكبر لدى المواطنين..
بعد انهيار صناديق البنوك الاستثمارية كانت هناك مطالبات بتدخل صناديق الدولة لإنقاذها من خلال ضخ سيولة استثمارية فيها تعينها على إعادة تشكيل استثماراتها لتحقيق هدفي الربح والدعم في آن واحد.. بعد سنتين من المطالبة غير المحققة، اقتنعت إحدى الدول الخليجية بالفكرة المحلية وتدخلت لشراء أصول صناديق بنوكها بسعر التكلفة، وضخت أكثر من خمسة مليارات ريال لتسوية أوضاعها.. الصندوق الاستثماري الذي لم يحز على رضا بعض المسؤولين لدينا تحول إلى مشروع وطني لإنقاذ السوق في إحدى الدول الخليجية الأخرى.. عندما تتوفر الأموال تحتاج دائماً إلى الإدارة والإرادة اللتين تضعان مصلحة الجميع على مستوى واحد من العدالة والإنصاف.. العمل على أرض الواقع لتغيير الظروف، وحل المشاكل، وتلمس الحاجات هو المطلوب في أوقات الأزمات.. لا يمكن للتنظير الإعلامي أن يحجب الحقائق الثابتة، خصوصاً إذا ما تعلقت بمصالح المواطنين.. أحد المسؤولين لدينا أشار قبل يومين إلى تأثير الأزمة العالمية على قطاع الصادرات والنفط، دون أن يشير البتة إلى سوق الأسهم، الخاسر الأكبر من تداعيات الأزمة، وشظايا العولمة غير المسؤولة.
الدكتور فيصل بن صفوق البشير، عضو اللجنة الاستشارية لمجلس الاقتصاد الأعلى، أكد في تصريحات صحفية على أن 90 في المائة من الشركات المدرجة في السوق السعودية (ليس من المنطق أن تهبط أسعار أسهمها إلى هذا الحد) ووصف أوضاع سوق الأسهم ب(المؤلمة حالياً بالنظر إلى انهيارها بعد الأزمة العالمية دون مبررات واضحة).. هل هناك تباعد بين الجهات الاستشارية والتنفيذية ما يجعلها فاقدة التنسيق في أمور يفترض أن تكون من أساسيات العمل الجماعي المثمر لمصلحة المواطنين؟!. أسأل دون أن أجيب، ولكن يبدو أننا لا نبذل جهداً حقيقياً لإصلاح ما أفسده البعض في سوق الأسهم وليس الأزمة وحدها، لذا يبقى الوضع (المؤلم) على ما هو عليه حتى يتبخر آخر قرش من محافظ أسهم المواطنين، أو (ليَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ).
***
*F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM