تملك إسبانيا أنشط دوري كرة قدم بالعالم ويحوي أقوى الأندية وأعتى النجوم ومنذ زمن طويل وهو يحافظ على حيويته بشكل ثابت ولكن بالرغم من ذلك فإن إسبانيا لم تحرز كأس العالم نهائيا ولا تعتبر منافسا رئيسيا عليه وحتى لا نتحول إلى تحليل رياضي فإن لدينا في سوق المال قطاع ينافس الدوري الإسباني بحيويته ونشاطه ولكن دون نتائج مالية فاغلب الشركات فيه خاسرة ومعطلة الحركة بفضل تأخر ترخيص مزاولتها للنشاط ومع ذلك أعلنت هيئة سوق المال عن طرح أربع شركات تأمين للاكتتاب العام لتضاف إلى شقيقاتها المدرجة بالسوق وبذلك سيصبح عدد الشركات بالقطاع 25 شركة جميعها ذات رأس مال صغير عموما باستثناء ثلاث شركات التعاونية وإعادة وميدغلف تفوق رؤوس أموالها 500 مليون ريال وبفرض أن هذا القطاع واعد ونشاطه مازال محدود الحجم بالاقتصاد السعودي على الصعيد المحلي وينتظره مستقبل كبير إلا أن ما يهمنا تقييم الخطوة الجديدة بإضافة شركات للسوق في وقت عصيب يمر به فالثقة شبه معدومة لدى عموم المتداولين بتأثير من الأزمة العالمية والصورة الضبابية أمامهم حول مستقبل أرباح الشركات وإذا كان طرح اتحاد عذيب للاتصالات قد نجح فهذا لا يعني أن ذلك ينطبق على هذه الشركات فليست المسالة القدرة على تغطية الاكتتاب فهو بسيط الحجم ولن تكلف الشركات سوى 370 مليون ريال ولكن الإشكالية هي عند الإدراج وفي محاولة لفهم هذا القرار في مثل هذا الوقت نجد أن الصورة العامة هي استمرار لزيادة الفرص بالسوق كتوسيع لقاعدته ولكنها تقرأ من جهة أخرى إنها محاولة لتعزيز الثقة بالسوق وان الاكتتابات ناجحة ولا يوجد مشكلة سيولة بقدر ما تتطلب الحاجة لمنح المتداولين الفرصة للاستثمار مجددا بالسوق كما أن هذا الخطوة لا يمكن أن تهدف لسحب سيولة من السوق فالتضخم يتراجع بشكل حاد كما ارتفع سابقا ويقف الآن عند 6.9 بالمائة متراجعا من 11 بالمائة كما أن سوق النقد يطلب السيولة ولا يطردها بل وتحاول مؤسسة النقد تعزيزها بالسوق من خلال رفع حجم الودائع لتعزيز سوق الائتمان الذي يسير ببطء شديد وتحفظ كبير من البنوك كما أن لهذه الشركات ميزة ستضيفها للسوق بزيادة رقعة المضاربة فالأربع شركات مجموع رؤوس أموالها 700 مليون ريال وتتحكم قوى المضاربة بشكل كبير بحجم السيولة المدورة وفي مراجعة للشهرين الأخيرين من بداية العام نجد أن قطاع التأمين كان الأكثر استحواذ على السيولة ففي فبراير بلغت نسبة السيولة المتحركة بالقطاع قرابة 16 بالمائة بما يفوق 15 مليار ريال أي ثلاث أضعاف رؤوس أموال شركات التامين مجتمعة وبلغت النسبة لعدد صفقات السوق 21 بالمائة وتم تدوير 533 مليون سهم يما يزيد عن مجموع أسهم الشركات وليس الحر منها وتعكس الحالة حجم التحرك المضاربي الكبير على التامين فقد ارتفعت معظم شركات منذ 23نوفمبر 2008 إلى نهاية فبراير 2009 بنسب تفوق 100 بالمائة من قيعانها السعرية بل وصل بعضها إلى 300 بالمائة وأغلبها تراجع أيضا بشكل حاد وتشكل هذه الجولة الثانية لارتفاعات القطاع ونشاطه الحيوي بعد أن بدأت التحركات منذ 2007 عندما سيطرت المضاربات فيه على السوق وحلقت الأسعار إلى مستويات خطيرة جدا وهوت بنسب فاقت 80 بالمائة مما يعني إنما حصل أخيرا هو ردة فعل طبيعية فيه نظرا لحجم الخسارة وليس لمزايا مالية انعكست عليه كما أن معظم الشركات لم تحصل على رخص مزاولة المهنة إلا منذ فترة قريبة جدا وهي تستخرج من مؤسسة النقد وخلال هذه الفترة وصلت خسائر بعض الشركات إلى قرابة نصف رأس المال مما تطلب خطوات لرفع رأس المال من قبل هذه الشركات في سابقة غريبة حيث لم يمضي على بعضها سوى قرابة عام بالسوق وهذا يدل على التخبط الذي اكتنف عملية التأسيس وبغض النظر عن كل ذلك لأنه أشبع تناولا بالإعلام إلا أن المستغرب أن يتم تكريس حالة المضاربة بالسوق بدلا من محاولة توزيع المخاطر بشكل أفضل ومعالجة أوضاع وأوجاع الشركات القائمة بهذا القطاع فلا يمكن اختبار نفسية المتعاملين بالسوق من خلال طرح شركات جديدة لا معنى لها الآن ولا تشكل إضافة مهمة للسوق فالسيولة يجب أن تستغل بشركات حيوية لها مردود اقتصادي أكبر خصوصا بمجال الصناعة والخدمات كما أن بعض الشركات المدرجة قد تحتاج لسيولة من خلال رفع رأس مال أو طلب إصدار صكوك لدعم أعمالها في ظل ظروف أزمة خانقة وهي أجدى وانفع للاقتصاد من هذه الشركات التي لن تضيف شيئا سوى المضاربة فقط فلا التخصيص يستحق الاقتناء فكلها لا تتعدى أكثر من 5 أسهم للفرد لا تسمن ولا تغني من جوع ولا الظروف مناسبة لأي طرح وبالتالي إنما تعطي نوعا جديدا من البضاعة التي يتعطش لها المضاربون ويكفي أن ننظر لشركة مثل اليانز بلغ حجم السيولة التي دورت فيها بفبراير 1.25 مليار ريال بينما رأس مالها 100 مليون أي 12 ضعف رأس المال وكذلك سلامة 1.6 مليار أي 16 ضعفا أيضا لنحكم على حجم النشاط المضاربي الذي تلعبه شركات التأمين بتعاملات السوق
بقدر ما نعرف رغبة الهيئة بدعم استقرار السوق وعودة الثقة له ولكن يبقى القرار بإضافة شركات تامين في ظل الظروف الحالية له من السلبيات الكثير فهو لن يعيد نشاط السيولة للسوق ولا يعكس ثقة بقدرة تغطية الاكتتابات ولن يساهم بإذابة سيولة زائدة لمنع التضخم فكلها عوامل لا يمكن اليوم اعتبارها جوهرية كما السابق لأن الأحوال تبدلت بل السلبية تتمثل بتكريس قاعدة المضاربات مما يعني إهمالا لدعم أسعار الشركات المهمة بالسوق وبالتالي تراجعها لمستويات متدنية دون رغبة أو إقبال عليها وبذلك تفوت الفرص على الكثيرين لصالح حمى المضاربات التي تضر بالسوق على المدى القريب والمتوسط.