طالب خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- في يوم الأحد الأول من مارس 2009م أعضاء مجلس الشورى بألا يبخلوا عليه بالمشورة، مؤكدا عظم القسم الذي أدوه. وتذكرت الثقة التي وضعها فينا، وبدأت أفكر ما هو أهم شيء يجب أن ينظر فيه الجميع على كل المستويات، فتذكرت موضوع (أثر الأزمة المالية العالمية على بلادنا). وتذكرت ما قاله بعض زعماء العالم عنها؛ مثل الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين الذي قال: (هذا لم يعد انعداما للإحساس بالمسؤولية من جانب بعض الأفراد، بل عدم إحساس بالمسؤولية لدى النظام كله الذي يتباهى بالزعامة العالمية).
أما رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون فقال: (الاستهتار داخل الولايات المتحدة بالنظام المالي هو الذي أدى إلى أزمة الائتمان المالي التي يعاني منها العالم). ولا تنسوا توقعات الرئيس السابق للاحتياطي الفدرالي الأمريكي آلان غرينسبان الذي قال إن (الأزمة هي الأخطر منذ قرن، ولم تنته بعد وستستغرق مزيدا من الوقت، وأتوقع انهيار العديد من المؤسسات المالية الكبرى بسبب القسوة الاستثنائية لهذه الأزمة). أما الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون فقال إن: (الأزمة المالية تهدد معيشة مليارات الأشخاص عبر العالم خصوصاً الأكثر فقراً).
أما وزير المالية الألماني بير شتاينبروك فحمل الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية الأزمة بقوله إن: (الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية الأزمة المالية العالمية الراهنة بسبب الحملة الأنغلوساكسونية التي تهدف لتحقيق أرباح كبيرة، ومكافآت هائلة للمصرفيين وكبار مديري الشركات، والأزمة ستخلف آثاراً عميقة وستحدث تحولات في النظام المالي العالمي).
ولبيان أثر الأزمة على الدول النامية قال رئيس البنك الدولي روبرت زوليك إن (الأزمة ستؤثر سلباً على الدول النامية، التي تواجه بالفعل ضغوطا على ميزانيات المدفوعات، لأن الأسعار المرتفعة تؤدي إلى تضخم فواتير الواردات). وقد اتخذت حلول عاجلة قامت بها البنوك المركزية في مجموعة الاقتصادات الرئيسية في العالم، ومنها البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان، التي أنفقت على ضخ180 مليار دولار في الأسواق عن طريق زيادة مشترياتها من سندات الخزانة الأمريكية. كما أن عشرة مصارف دولية وافقت على إنشاء صندوق للسيولة برأسمال70 مليار دولار لمواجهة أكثر حاجاتها إلحاحا، كما أعلنت المصارف المركزية موافقتها على فتح مجالات التسليف.
وبعد هذه المقدمة عما قيل عن الأزمة العالمية وبعض الحلول التي اتخذت. تذكرت أنني تطرقت لأمور عديدة في مقالات سابقة نشرت في جريدة الجزيرة، مثل مقالة (هل حان الوقت لإنشاء هيئة وطنية سعودية لإدارة الطوارئ للتقليل من أضرار الكوارث) الذي نشر بتاريخ 19 من يوليو 2007 بالعدد 12712، وأيضاً مقال بعنوان: المزيد عن هيئة إدارة الطوارئ السعودية (سيما) بتاريخ 27 من يناير 2008م في العدد 12904، ذكرت فيها أن أمم هذا العالم ومؤسساتها المختلفة تتطلع إلى إيجاد طرق لحماية قرابة 3.4 بليون نسمة يعيشون في مناطق معرضة لخطر واحد من الأخطار والكوارث.
وطرحت العديد من الأسئلة التي تجول في خاطري وفي خاطر كل غيور على هذا البلد المعطاء، وأحد هذه التساؤلات التي تساءلتها، مثلاً: هل لدينا تخطيط للحد من مخاطر الكوارث على مستوى المملكة؟ وإذا لم يكن فنحن في حاجة إلى وضع استراتيجية وطنية في مجال الوقاية وتقليص المخاطر تشرك كل الفاعلين المعنيين وتهدف إلى تحديد المسؤوليات والمهام في إطار رؤية شاملة ومندمجة بإشكالية المخاطر. ومن بين المحاور ذات الأولوية لهذه الاستراتيجية الأخذ بعين الاعتبار تحسين المعرفة من خلال التعريف بالمخاطر، وتوعية وإعلام الرأي العام حول جميع أنواع المخاطر وحول السلوكيات التي يجب اعتمادها في حالة الكوارث.
وتساءلت: هل يتعين علينا انتظار حدوث مآس رهيبة كي نعي ونستشعر مسؤوليتنا؟ وذكرت أن بلادنا الغالية لا تقبل الانصياع لهذه الحتمية؛ ولذلك فعلينا تحمل كامل المسؤوليات الملقاة على عاتقنا.
وفي هذا الإطار، يجب أن نتخذ العديد من التدابير واسعة النطاق على الصعيد الوطني، ومن بينها بلورة الاستراتيجية الوطنية للوقاية وتدبير أخطار الكوارث، سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان، مثل الكارثة الاقتصادية التي نعيشها وتأثر بها كل بيت سعودي.
كما نشرت مقال بعنوان حتى لا تتوالى مثل هذه الكوارث علينا مستقبلاً في جريدة الجزيرة بتاريخ 17- 10-2008، ذكرت فيه احتياجنا للتخطيط طويل المدى للاقتصاد السعودي ليظل قوياً غير تابع لقوة اقتصادية أخرى، حتى لا نصبح فريسة سهلة تلتهمها الحيتان الاقتصادية الكبرى. وأن علينا إنشاء إدارة خاصة من ضمن هيئة الطوارئ السعودية (التي أتمنى أن تنشأ اليوم) تهتم فقط بالتخطيط وإدارة الأزمات والكوارث الاقتصادية لتجنب حدوثها والتقليل من مخاطرها مستقبلاً في بلادنا.
ذكرت فيها أنه يجب ألا ننتظر حتى تتفشى في المجتمع آثار الفقر وتكثر الجريمة وتستفحل في مجتمع لا يعرفها. ولا ننتظر حتى تبدأ آثار الدمار لمجتمع تأسس بالإيمان والصبر والكفاح على مر السنين. وقلت أن نبادر بالحكمة والقرارات الصائبة السريعة لانتشال المجتمع من التدهور.
وذكرت بالأزمة المالية العالمية التي ضربت دول جنوب شرق آسيا منذ أكثر من عشر سنوات، والتي كشفت هشاشة تبعية اقتصاديات هذه الدول للاقتصاد الأمريكي جانباً من ضعف بنيتها؛ مما أعادها إلى الوراء منذ ذلك الوقت وهز أسطورة النمور الآسيوية. كما ذكرت أنه حالياً في الإمارات والكويت بدأت تظهر بقوة آثار الأزمة العالمية.
وفي بلادنا قلت، كما قال غيري: إن نزيف مؤشر سوق المال السعودي مستمر منذ وقت طويل، و(الفأس وقع في الرأس) وكثير من المواطنين فقدوا مدخراتهم. وما زلت أتساءل، وأفكر كيف نجعل هذا البلد العزيز على قلوبنا ومواطنيه يتخطى مراحل الخطر والأزمات.
كما نشرت مقال بعنوان: (المسؤولية العظيمة) بجريدة الجزيرة بتاريخ 25-2-2009م طالبت فيه أن يناقش بشفافية في مؤتمر عام موضوع الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الراهنة وآثارها المتوقعة على الاقتصاد السعودي، وأن تتم المناقشة من خلال محاور رئيسية، تتمثل في عرض شامل لجذور الأزمة المالية العالمية وخلفياتها، والتداعيات الراهنة لهذه الأزمة على بلدان العالم المختلفة وبينها السعودية، وهل الأزمة نتيجة إلى ما وصف بالانفجار الذي شهده عام 2006م نتيجة لخفض معدلات الفائدة والإفراط في منح قروض بسخاء وبتوسع لا محدود لطالبي القروض العقارية على وجه الخصوص.
وبسبب تحول الرهون العقارية إلى أوراق مالية في البورصات، وعجز المقترضين عن السداد، وما نجم عن ذلك من خسائر، حيث تفاقمت أزمة القروض، وظهرت مؤشرات على عدم إمكانية سداد القروض من قبل الكثيرين، فانتقل الدور إلى مقرضي الرهون الكبار مما أدى إلى انهيار بنوك، وطال الانهيار سوق الأوراق المالية الأمريكي، وتهاوت كبريات البنوك الاستثمارية في العالم وأبرزها ليمان براذرز، مما أدى إلى اجتياح العاصفة المالية العالم بأكمله. أم أنها نتيجة التكاليف الباهظة للحروب المختلفة التي خاضتها أمريكا، في منطقتنا، وسياستها الرعناء، والتي أوصلت العالم لما هو عليه الآن والمستقبل لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
ومما لاشك فيه أن تأثير الأزمة المالية بدا واضحا في تدني أسعار النفط والهبوط الحاد والمستمر لأسواق المال في الخليج والعالم، مما يقودني للتساؤل: هل الأزمة العالمية أحدثت وهي مصطنعة، حتى يتمكن الغرب من أن يحصل على النفط بأسعار زهيدة، بعد أن وصل سعر البرميل إلى حوالي 150 دولاراً. (من يصدق سعر البرميل تدني من 150 دولاراً إلى أقل من أربعين دولار للبرميل، وأتساءل!!! ما هي علاقة النفط بالرهن العقاري) والغريب أن المنتجات الغربية لم تتأثر أغلبها، فسعر الكاديلاك والمكدونلد زاد والكوكاكولا والبيبسي كولا لم تتغير أسعارها، كما أتساءل أيضاً: هل أحدثت الأزمة ليتمكن المستثمرون في الغرب من شراء أسهم الشركات العملاقة في الخليج، مثل سابك وغيرها بأبخس الأثمان، ثم يبيعوها علينا مستقبلا بأعلى الأسعار (سعر سابك أقل من أربعين ريالا)، كما أن أسعار بعضها أصبح أقل من سعر الطرح.
ولذلك يجب علينا معرفة رؤية الجهات المعنية، مثل وزارة التخطيط ووزارة المالية ووزارة البترول ووزارة التجارة والصناعة والخارجية ومؤسسة النقد وهيئة سوق المال وجامعاتنا بشفافية وعمق وتحليل شامل لجميع المعطيات تجاه الأزمة (سياسية ودينية واقتصادية واجتماعية)، وتحديات أداء الاقتصاد الوطني في ظل الأزمة المالية العالمية، بما في ذلك تحديات النمو الاقتصادي، والميزانية العامة، والقطاع النقدي والمصرفي.
وجميع المواطنين يريدون معرفة رؤية وزارة المالية عن التأثير الذي أحدثته الأزمة المالية العالمية، على المملكة العربية السعودية فيما يتعلق بموارد الدولة، وبما يتعلق بعجز الموازنة والإنفاق العام. وما هي الإجراءات التي ستتخذ بشأن مواجهة تأثيرات هذه الأزمة على عجز الموازنة والإنفاق العام، وذلك من خلال ضبط الإنفاق والمواءمة بين تدفق الإيرادات وحدود النفقات.
كما نريد أن نعرف رؤية مؤسسة النقد على النظام المصرفي في بلادنا، وهل نحن فعلا في مأمن من تأثير الأزمة المالية العالمية، كما يقول البعض، ومعرفة الإصلاحات التي قامت بها المؤسسة في الفترة الماضية، وما ستقوم به مستقبلا في إطار برنامج الإصلاح الذي يتبناه خادم الحرمين في الوقت الراهن. وخصوصاً عن التشريات المنظمة للعمل المصرفي، لذلك يجب أن تتضمن الرؤية أيضاً المعالجات التي قامت بها المؤسسة لتجنيب القطاع المصرفي آثار الأزمة.
ونحتاج أيضاً إلى معرفة رؤية مستقبلية لجهات عديدة مثل، الهيئة العليا للسياحة ووزارة النقل والخطوط الجوية السعودية وغيرها، من حيث معرفة مجالات تأثير الأزمة المالية العالمية في انخفاض حجم الحركة السياحية الدينية، بكل ما يستتبع ذلك من آثار على قطاع السياحة والخدمات المرتبطة به مثل الفنادق وغيرها، وكذلك قطاع الطيران. وما هي الإجراءات التي يتعين اتخاذها لمواجهة التداعيات السلبية للأزمة، مثل تبني خطة إنعاش لقطاع السياحة مثلا تتضمن عددا من الإجراءات السريعة المطلوب اتخاذها ومن أهمها تقديم حزمة من الحوافز التنافسية للخدمات السياحية التي تساعد في جذب السياح لزيارة المناطق المقدسة. وكذلك رؤية وزارة التجارة نحو توقعات تأثير الأزمة المالية العالمية على ميزان المدفوعات بشكل عام وعلى الميزان التجاري بشكل خاص وعلى حركة التجارة.
كما يجب أن تكون هناك توصيات بشأن الاهتمام بقطاعات أساسية مثل قطاع النفط والغاز والتعدين، والقطاع المصرفي، والمجال الاقتصادي والاستثماري، ومجال الميزانية العامة وزيادة الاحتياطي العام، والعمل على خفض أسعار الفائدة، والالتزام الصارم بمعايير الائتمان ومراقبة البنوك.
وكذلك العمل على تنمية الموارد بأقصى حد، والعمل على منع إهدار الإيرادات، وسرعة تشريع قوانين للاقتراض لتجاوز الكثير من أوجه القصور التي تحد من الاستغلال الأمثل للميزانية.
وأعتقد أنه في حالة إجراء أي دراسة، فسيظهر على ما يبدو، أن هناك تأثيرات سلبية وإيجابية، حيث تتمثل التأثيرات السلبية في تراجع أسعار النفط، وأثر ذلك على الموازنة العامة وعلى ميزان المدفوعات.
أما التأثيرات الإيجابية فتتمثل في توقعات بشأن انخفاض قيمة السلع الواردة، والتي لم تظهر حتى الآن، حتى أن بعض الأسعار ارتفع للأسف، كما سيكون هناك انخفاض في معدلات التضخم، وانخفاض في تكاليف العمل، وتوافر فرص لجذب المستثمرين من الخارج.
لذلك أرجو أن نرقى لتطلعات أولي الأمر في بلادنا، ونجنب بلادنا مشاكل الأزمة المالية العالمية. إنها مسؤولية عظيمة تاريخية أن نناقش تأثير الأزمة العالمية على بلادنا في جامعاتنا ووزاراتنا وفي مجلس الشورى من قبل اللجنة الاقتصادية، ونستخلص توصيات عاجلة في خلال أيام تجنب بلادنا خطرا قادما يحصد ما أمامه ويعرضنا لتجارب مريرة.
ولإخواني في مجلس الشورى أقول: كونوا في مستوى تطلعات خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين بما وضعوه فيكم من ثقة نعتز بها، بينوا لهم أنكم أهل للثقة التي أعطاها لكم، وتذكروا القسم العظيم الذي أديتموه، والذي ينص على (أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً لديني ثم لمليكي وبلادي. وألا أبوح بسر من أسرار الدولة وأن أحافظ على مصالحها وأنظمتها وأن أؤدي أعمالي بالصدق والأمانة والإخلاص والعدل)، كما تذكروا ما طلبه منكم أن توفوا بقسمكم بإخلاص وأمانة لخدمة الدين والوطن، وأن لا تبخلوا عليه بالمشورة.
لذلك اجعلوا دراسة تأثير الأزمة المالية العالمية من أولويات ما يدرسه المجلس؛ حتى نجنب بلادنا مآسي نحن في غنى عنها. وتذكروا ما قلته سابقاً: هل يتعين علينا انتظار حدوث مآس رهيبة كي نعي ونستشعر مسؤوليتنا؟
والله من وراء القصد.