الدين سلوك عملي قيمي، ليس شعائر، أو طقوساً، أو مظاهر فحسب، ومصادر التشريع بأنواعها قلّلت من شأن (الثاني) إذا لم يترجم من (الأول) بمصداقية تامة، ولم تكتف مصادر التشريع بذلك التقليل، بل اقترن ذلك الإنكار بعبارات التهديد والوعيد ............
...والتوبيخ، والويل والثبور، والوعيد لهم بالخيبة والخسران والخذلان.
* الخلل الملحوظ في منهجنا بالحياة نابعٌ من عدم التوازن في تربيتنا على ذلك، والخطاب الدعوي، وممارساتنا التعليمية، وسلوك الهيئات التي تهتم بأخلاقيات الإنسان وسلوكه كرّست الكثير من المفاهيم الخاطئة وعزّزتها، وزاد من ذلك تناقض رسالة الإعلام مع السياسة التي رسمت له، ليس على المستوى المحلي، وإنما على مستوى العالم العربي والإسلامي، إن لم يكن على المستوى الدولي.
* من المؤكد أن هذه الإشكالية جعلت من المدارس السلوكية مجرد نظريات تتلى، ومن الشعائر والمظاهر مجرد عادات وتقاليد، نتلبس لبوسها من غير استشعار لما وراء ذلك، أو إدراك لخطورته، ونحنُ في إطار هذه التربية والثقافة والخضوع لها نخادع أنفسنا أشد المخادعة. ونستخف بها أشد ما يكون الاستخفاف.
* لب الدين بقيمه، وأهدافه، وغاياته، وعالميته يتلخص في بضع آيات كريمات، تتجلَّى فيها عظمة المحتوى، ويتجلَّى فيها معنى الحياة الذي ننشد ونتوق إليه، بوجهيها المادي والمعنوي، الدنيوي والأخروي، كل هذا تحويه سورة واحدة، نقرؤها من غير تأمّل وتدبر، وإلا فأين نحنُ من هؤلاء {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا}.. {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}.. {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}.. { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}.
* هذا هو الدين، ولاءٌ، وإخلاصٌ، وتوحيدٌ، وامتثالٌ، احترامٌ للنفس، محافظةٌ على الأعراض، بعدٌ عن الرذيلة، اقتصادٌ في العيش، وسطيةٌ في الإنفاق، تواضعٌ وإنكارٌ للذات، عفوٌ وسلامٌ، وتجاهلٌ للزلات، صدعٌ بالحق، وبعدٌ عن اللغو. من يتصفوا بهذه الصفات عناهم القائل بقوله:
لو لم يسودوا بدينٍ فيه منبهةٌ
للناس كانت لهم أخلاقهم دينا
* ألا نستطيعُ بعد ذلك القول: إن جوانب القصور والتفريط عندنا يكاد يكون مقصوراً في تجاهلنا أو وعينا مقتضى الدلالات الكبيرة، والمقاصد العظيمة لتلك الآيات التي لم تتجاوز بضعة أسطر؟ وهل يعقل أن ضخامة مؤسساتنا التعليمية والدينية، بعدتها وعتادها وعددها لم تستطع أن تترجم هذا المحتوى إلى برنامج عملي، يتشكل منها فكر الإنسان وشخصيته؟ كم أُلف حول مضامين هذه الآيات، وكم بُحث، وكم تُرجم، وكم دُرست بعض قضاياها وأصولها؟ وكم شُعّب لها من الشعب الأكاديمية؟ لا أدري لماذا هذا الاستطراد، وهل فات علينا أن هذا تشعيبٌ لمجرد اختلاق المرتبة، والوظيفة، والامتياز؟ ا-هـ
dr_alawees@hotmail.com