أشار الدكتور عبد الرحمن الشبيلي في كتابه الأخير عن الشيخ إبراهيم العنقري 1928 - 2008م إلى أنه قبل رحيله - رحمه الله - بأشهر قليلة قام باستعراض محتويات مكتبته من أوراق فمزقها.
* وسبق أن ذكر الشاعر الأستاذ أحمد الصالح (مسافر) أنه شهد عمّه الشاعر العامي الفكه عبد المحسن الصالح عليه رحمة الله قد أخرج محتويات صندوق حديدي فأحرق أكثره.
* وثمة آخرون لم يحرقوا أو يمزقوا أوراقهم غير أن أولادهم وورثتهم أقفلوا الأبواب دونها فلم تر النور في حياتهم وبعد مماتهم.
* وفي التاريخ العربي حكايات عمن طمروا وأحرقوا وأغرقوا وثائقهم، وفي المعاصر مثلها؛ ليبقى الحديثُ هنا عن التأريخ الشفهي الذي قدرُه الضياع، حيث لم نستطع بعد الوصول إلى أسلوب يكفُل حمايته من الاندثار حين لا يبقى شهوده ولا يحكي رواتُه، ولا يختلف الأمر إن كان التأريخَ ثقافيا واجتماعيا أو إداريا، ولا يزال بيننا منْ لو كتبوا لوثقوا، ولو وثقوا لعرفنا تاريخاً يهمله التاريخ.
* ولدينا أمثلة كثيرة على الصامتين الذين يترددون أو يرفضون تسجيل تجربتهم الحياتية بمختلف أحداثها، ويشير بعضُهم إلى القيود التي تقف دون ذلك؛ فهو مخير بين أن يقول الحقيقة كاملة ولن يستطيع، أو أن يجري عليها أعمال (القص واللزق)، ولن يرضى، وبين الاستطاعة وعدم القبول (تتيه الحقيقة ما بيننا).
* في كتاب الدكتور الشبيلي عن المرحوم العنقري خط (إفصاحي) لم نكن نألفُه؛ فقد اعتدنا منه الرواية التاريخية المباشرة المرتبطة بالمكان والزمان أكثر من الإنسان، لكنه غيّر المعادلة هذه المرة؛ فرأينا (الإنسان) مجرداً من موقعه، وربما استطعنا نسج حكايات من حكايةٍ قاربت الحقيقة بالاسم والرسم.
* وبمباشرة أكثر؛ فنحن نريد أن نقرأَ تاريخنا الإداري والثقافي والاجتماعي كما هو لا كما تصوره (اليوتوبيا) الإعلامية التي تُخرجنا من عالم البشر؛ فلدينا فساد ونزاهة، وإنجاز وإخفاق، وغنىً وإملاق، وصدق ونفاق، وهدر ووفر، ولدينا من تاجروا حتى بالمبادئ فأثْروا، ومن كفاهم أن عاشوا شرفاء، وويل لمن لم يحاسب نفسه اليوم قبل ألا تنفع محاسبةٌ غداً.
* استطاعت الرواية السيرية أن تكشف أشياء من المسكوت عنه، لكنها اقتصرت على مظاهر السقوط الأخلاقي في مجتمع عناوينه التطهر، وبإمكان السيرة الإدارية والاجتماعية ذات النفوس والطروس أن تمثل لغة المنطق الإصلاحي لمن يعنيهم ذلك.
* التاريخ ليس ورداً ومباخر.
Ibrturkia@hotmail.com