Al Jazirah NewsPaper Saturday  14/03/2009 G Issue 13316
السبت 17 ربيع الأول 1430   العدد  13316
نشراتنا الإخبارية.. إلى أين؟
د.علي بن شويل القرني

 

نشرة الأخبار هي الوحدة الإعلامية الأهم من بين منظومة البرامج الإعلامية التي تطرحها مؤسسات التلفزيون في أي مجتمع من المجتمعات، وهي تربط بين المؤسسة السياسية وبين المواطن خاصة وعموم المشاهدين عامة. وتمثل رسائل سياسية واجتماعية

..مهمة ينبغي أن تصل المشاهد وتجيب على استفساراته أو تطرح قضايا معينة على المستوى الوطني أو المستوى الإقليمي والدولي.

ونجاح جهاز التلفزيون في إنتاج نشرات أخبار على مستوى مهني عالي يتيح فرصة أكبر من المشاهدة الإعلامية، ويفتح المجال أمام تحقيق أهداف الوسيلة الإعلامية..

وقد عمدت مؤسسات التلفزة الوطنية والدولية في كل دول العالم إلى تحديد مواعيد ثابتة للنشرات لا تتغير مهما كانت الظروف، إلا عندما تكون هناك ظروف استثنائية بوجود حدث قائم ويتابع التلفزيون تغطيته على الهواء مباشرة. كما أن نشرات الأخبار في جميع تلفزيونات العالم حددت لها وقتا لمدة النشرة، وهي إما نصف ساعة في القنوات العامة، أو ساعة في القنوات الإخبارية. تهدف هذه القنوات لحجز المشاهد جزءا من وقته لمشاهدة النشرة خلال الوقت المحدد.

أما داخل النشرة الإخبارية، فتتنازعها فلسفتان إعلاميتان، أولاها أن النشرة تخضع لتراتبية الشخصيات الرسمية في الدولة بطريقة تعكس الهرمية القائمة بشكل أو بآخر، وثانيها أن الحدث هو الذي يفرض ذاته على هذه التراتبية، بحيث إذا كان هناك حدث دولي مهم يبدى على الأخبار المحلية، والعكس صحيح. ولا شك أن أي من هاتين الفلسفتين لها ايجابياتها ولها سلبياتها.. ففلسفة التراتبية الرسمية تعيق اطلاع المشاهد على الحدث الأهم في الوطن أو العالم حتى تنتهي الأخبار الرسمية.. أما فلسفة الإعلام المبني على مفهوم الحدث الأهم فهو ما يتوقعه القارئ من ناحية ظهور الحدث الأهم بغض النظر عن شخصية الحدث.

ونشرة الأخبار في التلفزيون السعودي الرسمي (القناة الأولى) هي نقطة ارتكاز مهمة لدى المشاهد السعودي والعربي، فهي النشرة التي تعبر عن المؤسسة السعودية باختلاف مجالاتها (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية)، وتحتاج هذه النشرات أن تلبي احتياجات المشاهد الإعلامية، وتكون منافسة لغيرها من نشرات الأخبار في القنوات الأخرى..

وربما نسأل القائمين على التلفزيون عن مدى وحجم المشاهدة للتلفزيون السعودي من بين باقي القنوات العربية والدولية، وعن حجم مشاهدة نشرات الأخبار في التلفزيون بشكل خاص، فهذه قد تعطي مؤشرات عن مدى وصول رسائلنا إلى كافة شرائح جمهور المشاهدة المحلية والدولية. وفي ظني كما هو متوقع أن المشاهدة ليست بحجم ما نستحقه كإعلام لدولة محورية في العالم العربي والإسلامي، كما أن نشرات الأخبار لدينا قد تكون هي أقل برامجنا مشاهدة من بين برامجنا التلفزيونية..

وإذا نظرنا بموضوعية لنشرة أخبار التاسعة - مثلا - لوجدنا أنها غير منضبطة بوقت محدد تنتهي فيه، فأحيان تنتهي في التاسعة والنصف، وأحيانا تمتد لساعة ونصف، وعادة تتراوح بين هذا وذلك.. والمشاهد المحلي أو الدولي لا يستطيع أن يلتزم بتواجده أمام شاشة التلفزيون السعودي لمدة طويلة.. كما تذبذب الوقت لهذه النشرة يجعل فرص الانتقال لقنوات أخرى وارد بل متوقع.

وهكذا فإن طول نشرة الأخبار في تلفزيوننا قد يكون هو أحد أسباب عدم المشاهدة المنتظمة لهذه النشرات، ولهذا فإن إعادة النظر يمكن أن تتم بحيث تصبح هناك قواعد معينة للنشرة يعتمدها القائمون على الأخبار في التلفزيون، وعدم المساس بها تحت أي ظرف من الظروف.. ومن هنا يمكن أن أطرح بعض الأمور التي اجتهدت فيها بحكم التخصص الإعلامي، يمكن أن تغير من المشهد الإخباري في تلفزيوننا الوطني:

1- مفهوم الأخبار هو مفهوم الحدث، وليس مفهوم ما حول الحدث، فلا يوجد وقت كافي لتناول ما دار من أمور حول الحدث، فمثلا عندما يتحدث سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مناسبة استقبال معينة، فإن حديثه هو الحدث الذي ينتظره الناس، وليس أي شي آخر مثل وجود قرآن كريم أو حديث ديني معين. ويمكن أن ننوه في النشرة إلى أن وقائع المناسبة كاملة سيتم بثها في برنامج خاص بعد نشرة الأخبار مباشرة. وبهذه الطريقة نكون أولا أبرزنا الحدث الأهم في النشرة، وهي كلمة الملك عبدالله يحفظه الله، ثم أن جميع فعاليات المناسبة تم بثها، ولكن ليس داخل النشرة الإخبارية، بل بعدها مباشرة.

2- تراتبية الأخبار يفترض أن تخضع لمعايير مهنية معينة موجودة في كثير من القنوات العربية والدولية، وتتمثل في إبراز الحدث الأهم.. فمثلا سقوط طائرة ووفاة ثلاثمائة شخص يعد حدثا مهما، يبدى على بعض أخبار الاستقبالات الاعتيادية.. فالمشاهد عادة يتجه للموضوعات الإنسانية التي يكون فيها ضحايا أو حروب أو صدامات لأنها تؤثر عليه أكثر من أي موضوع آخر ولهذا فيمكن أن تكون أهمية الحدث هي التي تفرض ذاتها على النشرة.

3- تتجه المدارس الإعلامية الحديثة في نشرات الأخبار في كثير من مؤسسات التلفزة الحكومية والتجارية إلى تنوع الأخبار، وإعطاء الجانب الإنساني أهميته في النشرات.. فمثلا اكتشاف علاج لمرض من الأمراض، أو نجاة طفلة من حريق شب في مكان في أي مدينة من المدن المحلية، أو زحام مروري خانق نتيجة حوادث بسبب الأمطار أو العواصف، أو غير ذلك من الموضوعات الإنسانية التي يصنعها التلفزيون يوميا، لتنتهي الأخبار عليها.. ويجب أن يؤخذ في الاعتبار أن تكون محلية وليست من فضلات وكالات الأبناء العالمية.

4- تتجه كثير من مؤسسات التلفزة إلى اختيار مذيع معين anchorman يكون مسؤولا عن نشرة الأخبار الرئيسية. ويصبح هو مدير الأخبار، يبني الأخبار بطريقته الخاصة، ويصبح هو مألوفا لدى المشاهد، وتتجه كبرى قنوات وشبكات التلفزة العالمية إلى هذا التوجه، ليصبح هو صانع النشرة، وهو مسؤول عن الثلاثين دقيقة التي يبث فيها النشرة، ويكون معه فريق إنتاج مساند لجمع الأخبار المحلية بالطريقة التي يراها.. ونقصد هنا الأخبار الإنسانية والاجتماعية..

5- نشرة الأخبار يجب أن يكون خلفها فريق من الباحثين والخبراء حيث يجب أن تبني كل كلمة في سياقها المحدد، ويجب أن تكون لها لغة دقيقة وتبني خطابا إعلاميا واضحا.

6- نشرة الأخبار يجب أن تكون مرتبطة بشبكة من الخبراء والمسؤولين وأصحاب الرأي الذين يمكن استدعائهم في أي لحظة أو التواصل معهم للتعليق على حدث أو أخذ رأي منهم حول موضوع معين.

وأخيرا نشرة الأخبار هي أهم عمل يقوم به التلفزيون، ولهذا ينبغي أن يتم الاهتمام بها وتطويرها بما يتناسب مع الأسس والقواعد المهنية المتبعة في التلفزيونات المتقدمة، ووفق أفضل المدارس الإعلامية الحديثة في العالم.



alkarni@ksu.edu.sa

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد