قال الأخ الكريم الأثير لدى فريق من الصديق والأحبة فيما نشرته صحافتنا حين اختير وزيراً للثقافة والإعلام، قال الدكتور عبد العزيز خوجة: إنه عازم على المضي بالإعلام السعودي إلى آفاق جديدة أكثر انفتاحاً على العالم، ومعطياً عهده للصحافيين والإعلاميين بأنه سيظل يعتبر نفسه زميلاً لهم، ولا يوصد باباً ولا يغلق هاتفه في وجوههم أبداً.
وإني أبارك هذه المبادرة الكريمة، ذلك أني عرفت الدكتور الخوجة منذ كان وكيلاً لوزارة الإعلام قبل أكثر من عقدين، يوم كان معالي الأخ الدكتور محمد عبده يماني وزيراً للإعلام.. ولعلي أحادث الدكتور الخوجة من جانب الثقافة باعتباره وزيراً لها، وكذلك من جانب أنه شاعر، والشعر جانب من المعرفة.. ولا أقول جديداً إذا أكدت أن الثقافة في بلدي هضيمة، ولا أدل على ذلك أن لا ذكر لها في ميزانية الدولة.. وكان يفترض أن تكون في الاهتمام مباشرة بعد وزارة التربية والتعليم.. وأذكر أن أمة لا تحفل بالمعرفة أمة خاملة، ولعل أقل الناس له معرفة لا يجهل قيمة الثقافة في حياة الشعوب الراقية والمتطلعة إلى الرقي المعرفي بعد الاهتمام الكبير الذي لا حدود له بالتعليم وقضاياه.. ولعل أمتنا الإسلامية لا تتجاهل ولا تنسى أن أول ما نزل من وحي السماء على خاتم رسل الله صلى الله عليه وسلم، كلمة - اقرأ - فإذا أصبحت أمة اقرأ لا تقرأ اليوم، فهذا يعني الجهالة في عصر العلم المشاع في قارات الأرض الخمس.. وهذا الانحسار نحن مسؤولون عنه لأننا قصرنا في شؤون تعليمنا إلى حد الإهمال، ذلك أن من تقلد مسؤولية التعليم غير قادر على الأداء الذي يجعله في فضاء الأرض الرحب، وعبر ذلك إيكال مسؤولية أهم جانب في حياة الإنسان بعد كسرة الخبز التي تسد جوعه هو - التعلم - وأكرر ذلك بلا توقف إلى المخلصين العاملين.
إذاً فإن تدني التعليم ورداءته انعكس على الثقافة فأصبحت غير ذات موضوع عند من لا يعبأ بها رغم أنها مسؤوليته، ولكنه تجاهلها لأنه لا يعبأ بها أو لا يدرك قيمتها ونقص التمام إذا كنا في مهد العرب وموقع الشعر قبل نزول الرسالة الخاتمة التي بدأت ب(اقرأ) أن نصبح أمة لا تقرأ، لأننا أهملنا أهم وسائلها وهو التعليم، ثم امتد هذا التخاذل إلى المعرفة بعامة!
ولا يكفي أن يقول قائل إن في الوطن خمسة عشر وعاء للأدب سميت أندية أدبية وجمعيات للثقافة والفنون توازي عدد الأندية إياها أو تقل عنها! فهذه الأندية حظها من الجانب المادي زهيد، وصلاحيات انطلاقاتها مقيدة بل مكبلة، وأذكر أني قلت لمعالي وزير الثقافة والإعلام السابق الأستاذ إياد أمين مدني وكتبت ذلك، أن أعطنا دعماً مالياً وصلاحيات، ثم حاسبنا.. وما لم يتحقق ذلك، ويتحقق اختيار قيادات الأندية الأدبية وأعضاء مجالس إداراتها، فإن من ثقافتنا شكل مهمش، وأن كياناتها هياكل ليست بذات قدرات على النهوض بالثقافة، لأن الثقافة ليست كلمة تلاك، ولكنها همم لا ينهض بها إلا ذوو الحس المرهف المشحون بهواجس المعرفة، وليس كل ذي شهادات عليا وكاتب وقارئ ينهض بهذا الهم.. وأن يقدر لقيادات هذه الأوعية الثقافية الجانب المادي.. وأردد قوله: أعطوا الأندية الثقافية دعماً مالياً كافياً وصلاحيات، ثم حاسبوها! الأخ الكريم وزير الثقافة والإعلام، إنني أدرك مسؤوليات وخطر دور الإعلام اليوم ومتطلباته وأسلم بذلك.. غير أنني أقول بحق، لا تهمش الثقافة ويبتلع الإعلام كل الجهود وكل المال، وسلام على المعرفة التي هي كما يعلم أولو المعرفة، عنوان وقيمة أي أمة، لا أقول اليوم ولكن منذ أن بزغ ضوؤها ووعي الإنسان ماهيتها، وأمة بلا معرفة لا يجزيها ملء الأرض ذهباً من الكنوز، فالمال عامل رافد لبيان معارف، ولكنه ليس بديلاً لها ولا يغني فتيلاً! فلنع قيمة المعارف ليكون عندنا توازن يقدر لنا في المحافل العالمية، وذلك أننا لسنا بمعزل في هذا الكون الذي أصبح قرية فيه كل شيء معلن وظاهر، وكل كيان دولة معروف بإمكاناته العامة والخاصة وحجم معارفه لأنها أساس ونسبة اهتمامه بهذا السلاح القوي، وليس قنابل ذرية مدمرة، ذلك أنها وسيلة الهدم لكون خلقه الله للإنسان ليعمره وينعم فيه بالحياة.. وقد أدرك نوبل حجم حماقته التدميرية فأراد أن يكفر عنها بجائزة للعلم وما ينفع البشرية في شؤون حياتها، رغم أن الحمقى ما زالوا يصارعون في الحياة ليكونوا قوة وليسوا دعاة إصلاح وسلم ولكنهم أداة لمن ائتمنوا عليه، ولينهضوا بالمزيد في بنائه وليس في هدمه، وصدق الحق القائل: {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}ولعل لهذه الوقفة أخريات، بعد أن يستقر المكان بالمكين بحول الله وقوته.