Al Jazirah NewsPaper Monday  09/03/2009 G Issue 13311
الأثنين 12 ربيع الأول 1430   العدد  13311
تحية للغرب.. فقد أعدوا لنا ما استطاعوا من قوة
د. عبد الله بن ناصر الحمود

 

في علاقتنا الأزلية مع الآخر دروس وعِبر على مر التاريخ الحديث، فحيث سادت إرادات الهيمنة والاختراق جُلّ أبعاد المعادلة الإنسانية: (شرق - غرب) أو (شمال - جنوب)، ظهرت، منذ بداية التاريخ الحديث مطلع القرن الماضي.....

بواكير إرادات الهيمنة عبر موائد التنمية الغربية الشمالية التي قدّمتها مؤسسات الأمم المتحدة للتنمية، ثم نجح الغرب في صياغة ذاته داخلياً بمقاييس بشرية متقدّمة، حتى انبرى منّا نفر باتوا يصفون لنا كيف استطاع الغرب أن يُعد مجتمعه وأرضه وسماءه بكل متطلبات العيش الكريم، وكيف هي مؤسسات وشوارع نيويورك ولندن وباريس ونحوها. فخارت قوى كثيرين منّا عبر مزالق (الانحسار الذاتي). ثم ما لبث آخرون من مثقفي الشرق والجنوب يتقاذفون أنفسهم قرابين لصراع الكبار في حربهم الباردة التي بدأت جذوتها منتصف ذات القرن وانتهت مبكّرة بانتصار المتمرد الغربي وتسنمه مقاليد السيادة الدولية. وبات ليس مستغرباً لدى المثقف الشرقي والجنوبي أن يناقش ويحلل ويبارك أو يناهض جذوة وسلطة قوّة دولية مهيمنة تنتهك بكل قواها السياسية وأساطيلها العسكرية دولة شرقية جنوبية.. وتدك بنيتها التحتية.. وتهتك بنيتها الفوقية، وتُعدم رئيسها.. وبقوّة (القانون)!. وكأن الوضع قد أصبح (حالة راهنة) أو أنه (أمر واقع). ولم تعد غريبة مشاهد القتل والعنف على شاشات التلفزيون.. بالقدر الذي لا تكاد تخلو نشرة إخبارية من مشاهد (كان) أساتذتنا في الإعلام يقولون لنا - قبل أن يسقط غصن الزيتون من أيدينا- إنها ممنوعة دولياً من العرض، (خوفاً) على مشاعر المشاهدين من الجماهير.

تلك دروس الماضي.. وقليل من الحاضر.. لكن لهيمنة الحاضر والمستقبل المنظور معادلة جديدة تجعل الولدان شيبا.. ولا سيما من يحاول منّا تحليل واقعنا في ضوء مكتسباتنا ورصيدنا التاريخي. فقد جاءنا التوجيه الإلهي في زمن كان غيرنا فيه يغط في سبات عميق: أن (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ). ألف وأربعمائة عام مضت على هذا البلاغ المبين الذي نكاد أو أظن أننا نقرؤه كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر، وأقلنا حظاً يقرؤه أو يسمعه كل عام مرة. لكننا فعلنا به، تماماً، كما نفعل اليوم بما نشاهده على شاشاتنا من مناظر قتلنا وإبادتنا، نستهلكه، وكفى.. دون أن يحرّك فينا اتجاهات حقيقية أو سلوكيات إيجابية للاستعداد والتصدي. وهنا يعِز علي القول بما يعلمه الآخرون غيري: إن الغرب قد أعدّ لنا ما استطاع من قوّة.. حتى أرهبنا.. وبات يعصف بنا كيف يشاء.. دون أن تكون لنا القدرة على الحراك أو حتى على استيعاب ما يراد بنا.

كل قوى الأرض أصبحت اليوم في يد الغرب: الاقتصاد على الرغم من هزّته، والسياسة على الرغم من فضائحها، والدبلوماسية على الرغم من حيائها، والقوة العسكرية المتجبرة، والعدالة والقانون عبر المدّعين العامين الدوليين والمحاكم الدولية، وأخيراً، ذروة سنام القوة الدولية (مجلس الأمن).. وما أدراك ما مجلس الأمن؟

لن أفاجئ جميع قرائي الكرام، إن قلت لهم إنني على الرغم من كل ذلك أحيي الغرب.. أحيي ذلك الخصم الذكي.. ذلك العدو القوي.. ذلك المتبجح بالنظام والقانون وحقوق الإنسان والعدالة الدولية.. لا أحييه.. لأنني بالضرورة أحبه، ولكن.. فقط.. على طريقة مقاتلي (التايكوندو) أو (الكاراتيه).. حيث أعدّ لنا ما استطاع من قوّة.. ووقف أمامنا بكل شموخ وأَنَفة.. فاستحق التحية..

عذراً، أبناء العراق.. فلم نستطع في يومكم الأسود ما استطاعوا من (قوّة).. وعذراً ثكالى غزّة، فلم يكن معنا، يومها، من العتاد والمؤسسات مثل تلك التي كانت دونهم وخلفهم. وعذراً للتاريخ والجغرافيا الشرقية والجنوبية... عذراً عمر البشير، عذراً لك.. وعذراً منك.. إن كنتَ (مجرماً) كما يقولون فلست (الأكثر) إجراماً على الإطلاق.. وإن كنتَ (مظلوماً) كما تقول أنت، ويقول كثيرون.. فلن تكون (المظلوم) الوحيد بيننا.. في عالم اليوم.. لكنك الأقل حظاً، والأدنى أرضاً، والأبعد حصانةً.

اعلم أيها القائد العربي، أن الجماهير وإن احتشدت حولك اليوم فلن تحميك، وأن الوفود وإن تعاقبت على ديار الغرب والشمال فلن تعفيك.. فقد أعد لنا القوم ما استطاعوا من قوّة... أكاد أجزم أيها الرئيس العربي الموقّر أن نجاتك - فقط- مرهونة اليوم.. بما لديك من رصيد حقيقي مع الله. وهو، جل جلاله، ثم أنت أدرى بذلك.. فلعله أن ينزل معجزة مثل معجزة إبراهيم عليه السلام فيجعل الله تعالى نارهم برداً وسلاماً عليك. فاسلك ما أنت سالك مع قومك وبني عمومتك..، ولكن اركن، وحسب، إلى من بيده ملكوت كل شيء، وهو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير.

إنها دروس عظام.. لكل من لديه عقل رشيد.. فهل نعقل كيف نعد لهم ما نستطيع من قوّة؟



alhumoodmail@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد