Al Jazirah NewsPaper Saturday  07/03/2009 G Issue 13309
السبت 10 ربيع الأول 1430   العدد  13309

نحن العرب لسنا قساة جفاة 4-4
م. منصور بن محمد أبو ثنين

 

المحور الرابع: التعليق على بعض العبارات التي استخدمها د. عائض في مقالته:

العبارة الأولى: ذكر د. عائض ما نصه (الاعتراف بحسنات الآخرين منهج قرآني يقول تعالى: {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ}.

لا أعلم هل يعني د. عائض بإيراد هذه الآية إن من التقاه من أهل باريس هو ممن هو قائم بالقسط ولذا هو يثني عليهم، أما أن الشيخ يعني أنه التقى بأقوام آخرين منهم وكانوا على حال مغايرة لهم، فلو أن الشيخ أوضح ذلك في مقالة من باب الإنصاف لكان أولى، وإن كانت الأولى فهذه مسألة تحتاج إلى كبير نظر واستشهاد لا أعلم إن كان في محله أم لا.

العبارة الثانية: (في البلاد العربية يلقاك غالب العرب بوجوه عليها غبرة ترهقها قتره).

ولو أكمل الشيخ غفر الله لنا وله لتذكر أن هذا الوصف قد ذكره الله في وصف حال الكفار يوم القيامة قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40)تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَة?}(سورة عبس).

وأكتفي بهذا التعليق على هذه العبارة وأترك جواز هذا التشبيه من عدمه ومحاذير الانزلاق في تشبيه المسلمين بهذه العبارات لولاة الأمر من علمائنا وفقهم الله.

العبارة الثالثة: (إن بعض العلماء إذا سألته اكفهر وعبس وبسر) وهذه العبارة كسابقتها استخدم الشيخ ألفاظاً قد استخدمها القرآن في وصف حال ألد أعداء الإسلام ولكن هذه المرة الأمر أكثر خطورة لأنه بهذا الكلام قد وقع في عدة محاذير هي:

الأول: في الوقت الذي يتوقع من الشيخ الذود عن العلماء وأعراضهم نجد أنه يعلنها وعلى المرء أن هذا هو خلق بعض العلماء عند سؤالهم، فإن كان هذا الكلام يصدر عن داعية إسلامي له حظه من العلم فإنه لا يُثرّب على العوام عندما يخوضون بلحوم العلماء في مجالسهم بين الخفض والرفع والزيادة والنقصان (ولا حول ولا قوة إلا بالله).

كما أنه بهذا القول قد جرأ أعداء الدين من علمانيين وغيرهم ممن يتربصون لهذا الدين وأهله كفانا الله شرورهم بهدايتهم وإلا بصد كيدهم في نحورهم.

ثانياً: الدين النصيحة فلو أن الشيخ غفر الله لنا وله عندما لمس من أحد العلماء جفوة ووجد في نفسه عليه لو أنه ناصحه في السر لكان خيراً بكثير من أن يعلن ذلك بنشره في الجريدة فالنصح في السر أقرب للإصلاح وتغيير الحال للأفضل.

وقد قال الشاعر:

تعمدني بنصحك في انفرادي

وجنبني النصيحة في الجماعه

فإن النصح بين الناس نوع

من التوبيخ لا أرض استماعه

وهل تعلمون من القائل أنه الإمام الجليل الشافعي رحمه الله.

وقد يأتي من يقول إذا كان الأمر كذلك فلما أنت تنشر هذا الرد وبنفس الطريقة التي تنتقد فيها د. القرني ولما لم تسر له بنصحك فما أنت إلا كما قال الشاعر:

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إن فعلت عظيم

وللرد على مثل هذا أقول: إن د. عائض غفر الله لنا وله لم يترك مجالاً للنصح في السر فقد نشر مقالته في الصحيفة فكان لابد من الرد بالطريقة نفسها لتعم الفائدة ولضمان اطلاع أكبر عدد ممكن ممن قرأوا مقالة الدكتور.

ثالثاً: بغض النظر عن مدى مشروعيتها من عدمه أتساءل عن مدى (حسن التأدب) في استخدام عبارات قد أنزلها الله عز وجل في وصف أحد من ألد أعداء الإسلام (الوليد بن المغيرة) وكيف أنه عبس وبسر بعد سماعه لكلام الله، قال الله تعالى: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ} سورة المدثر).

ففي الوقت الذي يمتدح فيه د. القرني حسن تأدب الفرنسيين نجد أنه يستخدم هذه الألفاظ في حق عالم من علماء المسلمين حتى وإن كان استخدام د. القرني لهذه العبارات هو فقط للتعبير اللغوي البحت فقد لا يكون من اللائق استخدام مثل هذه الألفاظ في حق المسلم العادي فضلاً عن عالم من علماء المسلمين الذين لهم الفضل بعد الله على هذه الأمة فالعلماء هم ورثة الأنبياء كم صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

رابعاً: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (وخالق الناس بخلق حسن)، وقال: (الابتسامة في وجه أخيك المسلم صدقة).

وهذه أمور مطلوبة في الدين وكذلك لراحة النفس البشرية ومع ذلك فإن بعض الناس يرى أن سمت العالم وقلة مزاحه بل إنه قد لا يرى يمزح فإن بعض الناس يعتبر ذلك نوعاً من قساوة الطباع، وقد يعتبره أيضاً من سوء الخلق، وهذا أمر فيه من الظلم الشيء الكثير.

فلم يعرف عن علماء الأمة الذين يشار لهم بالبنان أنهم كانوا كثيري مزاح، فهذا إمام دار الهجرة الإمام مالك كان حازماً جاداً ومن ذلك وصف الإمام الجليل الشافعي له عندما أتى مع والي المدينة إلى بيت الإمام مالك ليشفع للإمام الشافعي عنده ليوليه شيئاً من الاهتمام الخاص في تعليمه لما عرف عنه من النبوغ والذكاء، وكيف كان الإمام مالك جاداً في تعامله وكلامه ومع من، مع أمير المدينة شخصياً، وهذا لم يقلل من قيمة الإمام مالك شيئاً بل أصبح أحد أئمة الإسلام الأربعة.

ومثالي الآخر هو إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل (يرحمه الله) والذي بصموده وقوة إيمانه حفظ الله لنا الإسلام فقد اشتهر عند العلماء: (موقفان لولاهما لوصل الإسلام لنا منحرفاً، موقف أبي بكر في الردة، وموقف أحمد بن حنبل في خلق القرآن).

كما قال علي بن المديني: (إن الله أعز هذا الدين بأبي بكر الصديق يوم الردة وأحمد بن حنبل يوم المحنة) يقصد محنة خلق القرآن.

ويعرف عن الإمام أحمد أنه كان يحفظ ألف ألف حديث ورغم ذلك كله فإن طلابه يذكرون عنه أنه لم ير يضحك، كثير السكوت قليل الكلام له هيبة العلماء.

وأرجو أن لا يفهم كلامي هذا أني أدعو إلى أن يكون علماؤنا غير ودودين وغير مبتسمين، فالابتسامة في وجه أخيك المسلم صدقة، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكم في رسول الله أسوة حسنة.

ولكني أقول هناك بون شاسع بين سوء الخلق والسمت وهيبة العالم.

العبارة الرابعة: هل هناك حاجة لأن يذكر الشيخ أن غبار حذاء محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم) أحب إليه من أمريكا وأوروبا مجتمعتين، فهذا حال كل مسلم فلو سألت من سألت من المسلمين الذين سلمت قلوبهم من النفاق وإن كان فيه ما فيه من المعاصي لقال لك ومن كل قلبه مثل ما قال الشيخ، فإني أرى أن هذا أمر مسلم به لكل مسلم فضلاً عن داعية إسلامية له باعه الطويل في معرفة الدين وهو من سطر الشعر في مدح ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، لذا فذكر الشيخ لهذه العبارة قد يكون لزوم ما لا يلزم.

وفي نهاية مقالي هذا أريد أن أؤكد على أنني لا أشك في صدق نية د. عائض القرني وأن هدفه الإصلاح، ولكن قد يكون هناك من الطرق ما هو أنسب لمعالجة هذه الأمور. وأختم بقول الشاعر:

أوردها سعد وسعد مشتمل

ما هكذا تورد يا سعد الإبل

وفي الختام أرجو أن لا أكون قد قسوت على الدكتور عائض بملاحظاتي حتى لا ينطبق عليّ وصفه للعرب بالقساوة، وأنا على يقين أن د. القرني على علم بأن للتأليف ضريبة. وقد قيل منذ القدم: (من ألف فقد استهدف). والسلام.

mabuthnain@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد