الموت حق.. والناس يموتون.. وكل نفس ذائقة الموت، كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام..
صدق الله العظيم القائل في محكم كتابه {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} (145) سورة آل عمران.
في فجر يوم الأحد الماضي الموافق 27-2-1430هـ غيب الموت رجلاً من خيرة الرجال.. ديناً.. وخلقاً.. وامانة وعطفاً وصلة رحم.. رجلا عصاميا عاش يتيما، بنى نفسه بعمله وكفاحه.. وإخلاصه وجده وأمانته.. رجلا عاصر الحياة مرها.. وحلوها.. رجلا كافح وأخلص في عمله.. ووفقه الله في كافة أموره الدينية والدنيوية، رجلا لم تغره الحياة بزخارفها عن طاعة الله.. وعن صلة الرحم وبذل العطاء السخي في قرابته وأهله.. وفي الناس أجمعين.. ولاسيما المحتاجين منهم.
إنه العم.. والأخ.. والصديق.. الشيخ محمد بن عبدالله بن معجل السبيعي أحد أعيان بلدة رغبة، أحد المراكز الكبيرة المرتبطة إدارياً بمحافظة ثادق.
لقد كان يرحمه الله رجلا رجالاً.. بما تحمله الكلمة من معنى عاجلا في شجاعته.. وشهامته ومروءته.. وبذله.. وعطائه وعطفه على الفقراء وأقاربه المحتاجين منهم وغير المحتاجين، كان يعامل الجميع كأبناء واخوة.. واصدقاء، كل بحسب عمره.. يكرم الجميع ويقدرهم.
اتخذ منزله مكاناً لاجتماع أقاربه.. يلتقي بهم أسبوعياً، يتسامرون.. ويتحدثون عن أمورهم.. ويتفقد أحوالهم، كما اتخذ من مزرعته مكانا فسحة ومنتزها للجميع، أشعرهم بالمودة والعاطفة ووالأبوة.. أقام لأنسابه وأقاربه مساكن في مزرعته يرتاحون بها عند زيارتهم له في المزرعة.. وفضلاً عن ذلك أشعر كل واحد منهم بأنه صاحب ملك للسكن المقام من قبله في المزرعة، يحدد يوماً لكل واحد من الأقارب والأنساب، يقوم بإكرام المتواجدين بالمزرعة.. تقام الوليمة أعني الغداء أو العشاء في السكن الصغير الخاص بكل شخص.. ويقولون نحن اليوم في ضيافة فلان.. أو علان.. وهكذا.
وكان يرحمه الله حريصاً على جمع شمل أنسابه فإنه لا يرتاح له بال حتى يصل إلى المكان المسافر إليه.. ويظل على اتصال به بالهاتف ما بين ساعة وأخرى.. ولاسيما من يسافر منهم بالسيارة عن طريق البر.. خوفاً من أن يغلبه النعاس وهو في الطريق.
هذه حالة من الحالات التي حدثني عنها من أثق بحديثه.. وفضلا عن ذلك فإنه منذ ما يزيد على عشرين عاماً يقوم بمد سفرة وسماط طويل في الحرم المكي الشريف لتفطير الصائمين، وفضلاً عن ذلك يقوم ببعث كمية كبيرة من التمور من إنتاج مزرعته إلى اليمن لتفطير الصائمين هناك.
كما أنه يقوم بالصرف على أسر ولا يعرف بذلك أحد ولم يشعر بذلك أقرب المقربين إليه من أبنائه.. ومن غريب الصدف أن أحد الأشخاص جاء إلى منزله في الرياض يوم وفاته من أجل أخذ ما كان يجود به عليه ما بين وقت وآخر من مساعدات اعتاد على استلامها منه يرحمه الله.. وعند سؤال أحد أبنائه الموجود عند الباب أثناء حضور هذا الشخص سأله ما حاجتك فقال جئت لأسلم على أبي عبدالله لأنه عودني في كل أسبوع أن يجود علينا بالعطاء والمساعدة.. فقال له ابنه الوالد محمد يطلبك الحل، وها نحن نجهز جنازته من أجل الصلاة عليه بعد صلاة الظهر لهذا اليوم الأحد 27-2-1430هـ في مسجد الملك خالد بن عبدالعزيز في أم الحمام.. فبكى الرجل وأخذ يلهج بالدعاء له ويترحم عليه.. وحالة ثانية أيضاً حصلت من أحد الأشخاص في مكة المكرمة حيث اتصل هاتفياً يسأل عن أبي عبدالله فأُشعر بأنه انتقل إلى رحمة الله فأخذ يلهج بالدعاء له والثناء عليه لأنه يرحمه الله كان يصرف على أسرة هذا الشخص المتصل من مكة وكان يعطي بيده اليمنى ما لا تعلم به يده اليسرى.. نسأل الله العلي القدير أن يمن على أبي عبدالله بالرحمة والمغفرة وأن يجعله بهذه الأعمال الخيرية من السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله.
لقد كان لموته يرحمه الله حزن وأسى لدى أسرته وأصدقائه ومحبيه وعارفي فضله.. لقد كان موته فاجعة وخسارة، لكن مما يهون هول المصيبة ووقعها الأليم أنه يرحمه الله قد خلف أولاداً صالحين بررة فيهم الخير والبركة، وهذا مما يعزينا في مصيبة فقده.. والدنيا فانية ومن عليها، ولنا في خطبة الحسين بن علي رضوان الله عليهما غداة اليوم الذي استشهد فيه (نبراساً نعمل بموجبه)؛ فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: يا عباد الله اتقوا الله وكونوا من الدنيا على حذر فإن الدنيا لو بقيت على أحد (أو بقي عليها أحد) لكان الأنبياء أحق بالبقاء، وأولى بالرضاء وأرضى بالقضاء غير أن الله تعالى خلق الدنيا للفناء، فجديدها بالٍ ونعيمها مضمحل).
وصدق الله العظيم القائل في محكم كتابه {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} (145) سورة آل عمران.
وقبل أن أختتم هذا المقال أود أن أهمس في آذان أبناء الفقيد العزيز، عبدالله، وعبدالعزيز، وفهد والدكتور خالد وبقية الأولاد والأسرة الكريمة فأقول: إن أباكم يرحمه الله رحل عن هذه الدار الفانية إلى الدار الآخرة وهو يرجى له خير، وعليكم بالتأسي بأعماله ومآثره التي خلفلها لكم.. عليكم بالمحافظة على ما خلفه والدكم وراءه من ذكر حسن وعمل خيّر، وأن تعملوا على استمرار ما كان يقوم به والدكم من أعمال خيرية ومن تواصل بين الأقارب والأصدقاء.. وأن تحافظوا على اجتماعكم الأسبوعي وكذا تفطير الصائمين في الحرم، وأكرر القول: عظم الله أجرنا وأجركم، ونسأل الله أن يحتسب فقيد الجميع مع الشهداء والصالحين.. وأن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته. ونقول ما يقوله الصابرون {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} .