تشهد بلادنا الغالية في العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز اهتماماً بالغاً بمرفق القضاء الذي يمثل ركناً من أركان الدولة وأبرز أسباب قوتها وهيبتها واستتباب الأمن والأمان في جميع أرجائها ولا عجب في ذلك فقضاؤنا قضاء شرعي مستمد من الكتاب والسنة, والقضاة لدينا لا سلطان عليهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية وليس لأحد التدخل في القضاء كما نصت عليه المادة الأولى من الباب الأول في نظام القضاء, ولأهمية القضاء وعلو مكانته فقد جعلت الدولة السعودية - حرسها الله - الاهتمام به من أولى أولوياتها منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل رحمه الله إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أعزَّه الله بالإسلام والسنة حيث صدر في عهده النظام الجديد لمرفق القضاء وديوان المظالم وتشكيل محاكم متخصصة لقضايا معينة وتتويج ذلك وتعزيزه بمشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء حيث خصص لهذا المشروع العملاق ميزانية ضخمة تُقدّر بسبعة آلاف مليون ريال لخدمة الجهات القضائية ذات العلاقة المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل وديوان المظالم والمحكمة العليا والمحكمة الإدارية ومحكمة الاستئناف ومحاكم الدرجة الأولى: العامة والجزائية والشخصية والتجارية والعمالية.
ومن الجهات المهمة المرتبطة بمرفق القضاء المعهد العالي للقضاء التابع للصرح الشامخ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والذي يمثل القلب النابض للقضاء منذ أن تأسس عام 1385هـ ليصبح بذلك أول وحدة أكاديمية للدراسات العليا في المملكة والدراسة فيه تخصصية في مجال القضاء وما يتصل به ومن جملة أهدافه تعميق الدراسات الفقهية المقارنة وإعداد الكفاءات العلمية المميزة في القضاء وإثراء المكتبة الإسلامية بالبحوث المتخصصة في مجال القضاء والسياسة الشرعية والفقه الإسلامي المقارن.
ولأهمية المعهد وعلو مكانته وصلته الوثيقة بالقضاء والأنظمة القضائية فقد اهتمت إدارة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بقيادة معالي مديرها - وهو أحد أساتذة المعهد الكبار- الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل اهتماماً بالغًا بالمعهد وأولته عناية خاصة تعليميا وإداريا وفنيا وعندما صدرت الموافقة السامية بتطوير مرفق القضاء كانت الجامعة في قلب الحدث وبادر معالي مديرها بتشكيل لجنة عليا برئاسته لدراسة وتطوير المعهد بما يتلاءم مع النقلة النوعية التطويرية الشاملة لمرفق القضاء, وتفعيل دوره لمواكبة الأنظمة القضائية الجديدة وتلبية ما تضمنته من جوانب إيجابية وقوية تصب في مصلحة القضاء واستقلاليته وأدائه لمهامه العظيمة.
فأصبح المعهد ولله الحمد كالجامعة المصغرة يسير بخطى ثابتة نحو التقدم العلمي وخدمة مرفق القضاء علميا وعمليا من حيث البرامج المتخصصة وحلقات النقاش والندوات العلمية والدورات التأهيلية المتنوعة التي استفاد منها المتخصصون في مجال القضاء من داخل المملكة وخارجها بالإضافة إلى الدراسة المنهجية المستمرة لمرحلتي الماجستير والدكتوراه في التعليم الصباحي والتعليم المسائي (الموازي) كما تم العمل على استحداث أقسام جديدة في المعهد تتواكب مع متطلبات العصر وحاجياته مثل شعبة العلاقات الدولية والتحكيم ودبلوم المحاماة الذي سينفذ قريبا إن شاء الله.
وعندما صدر النظام الجديد للقضاء وديوان المظالم بادرت الجامعة بالإعداد لندوة علمية متخصصة للتعريف بهذين النظامين الجديدين تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين حفظه الله تهدف إلى التعريف بطرق القضاء وإجراءاته في المملكة والتعريف بنظامي القضاء وديوان المظالم وأثرهما في تحقيق العدالة الشاملة في المجتمع وكذلك أثر أنظمة القضاء في المملكة في حماية الضروريات الخمس والمساهمة في نشر الوعي النظامي في المجتمع، والمؤمل إن شاء الله أن تنطلق فعاليات هذه الندوة في القريب العاجل.
وقبل الختام فإن من توفيق الله للمعهد العالي للقضاء تعاقب نخبة من العلماء على عمادته وإدارته كالشيخ العلامة عبدالرزاق عفيفي وشيخنا العلامة الدكتور صالح الفوزان والشيخ الدكتور عبدالرحمن السدحان وغيرهم من أهل العلم والفضل الذين خدموا المعهد علميا وإداريا ثم سار على دربهم الآن عدد من المشايخ الفضلاء الذين واصلوا المسيرة وساروا على درب من سبقهم في حسن الرعاية والإدارة والاهتمام بالمعهد علميا وعمليا وإعداد الكوادر المؤهلة في مجال القضاء والأنظمة القضائية.
فنسأل الله تعالى أن يبارك في الجهود وأن يسدد الخطى وأن يوفق ولاة أمرنا لما يحب ويرضى وأن يجعلنا وإياهم من المتعاونين على البر والتقوى.
* جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية