«الجزيرة» - الرياض
تواجه شركات الاتصالات القادمة من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحولاً في أطر العمل من التركيز على الاستحواذات لتأسيس وجود دولي إلى التركيز على الاستحواذ على القيمة الإضافية والإمكانيات الكامنة في الاستحواذات السابقة. في وجه الأزمة المالية الحالية، النمو بهدف النمو لم يعد خياراً مقبولاً.
وقال كارل دويتش رئيس قسم استشارات في إحدى الشركات المتخصصة في مجال الاتصالات: (خلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، قام عدد من مشغلي الاتصالات بممارسة إستراتيجية التوسع الحاد وبشكل رئيسي على شكل استحواذات. معظم هؤلاء المشغلين تمتعوا بنمو في العوائد حتى الآن ولكنهم لم يجنوا حتى الآن الإمكانيات الكاملة للمجموعة والامتياز التشغيلي الذي قد تمثله هذه الاستحواذات).
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، قامت كبرى الشركات في مجال الاتصالات ومن ضمنها زين (22 دولة)، اتصالات (18 دولة)، كيوتل (17 دولة)، أوراسكوم (11 دولة)، والاتصالات السعودية (7 دول) بالتوسع النشط بشكل رئيسي من خلال الاستحواذات لزيادة رقعتها الجغرافية على المستوى الدولي. وعلى المستوى العالمي، تعتبر اتصالات والاتصالات السعودية ضمن أول الشركات العربية التي وصلت إلى قائمة أكبر 10 شركات دولية في ناحية القيمة السوقية، ولكن مع ذلك فإن أكثر من 70% بالمائة من أرباحها المحتسبة قبل دفع الفوائد، الضرائب، التهالك، وإيفاء الديون (وهو مؤشر أداء معياري مقبول بشكل واسع في الصناعات التي تستثمر بشكل كبير في التقنية) تأتي من سوقها المحلية الداخلية.
ووفقاً لدراسة صدرت مؤخراً فقد حققت 29 بالمائة فقط من شركات الاتصالات زيادة في الربح الكلي بعد الاندماج أو الاستحواذ على شركات أخرى. وقد خسر بعضها أكثر من 47 بالمائة من قيمة أسهمها نتيجة للتوسع لذا فإن التحدي الذي تواجهه الشركات من ناحية استخلاص الفائدة والقيمة من الاستحواذات والاندماجات هو تحد عام وليس خاصاً بدول الخليج العربي. ولكن هناك على كل حال دروس مهمة يمكن تعلمها من جهود مشغلي الاتصالات الدوليين في استخلاص القيمة من الاستحواذات والاندماجات.
فقد استحوذت كيه بي إن البارزة في مجال الاتصالات في هولندا على شركات للهاتف النقال في بلجيكا وألمانيا قبل 10 سنوات. ولبعض الوقت تكلفت مجموعة كيه بي إن نفقات كبيرة في مجال تقنية المعلومات بينما كانت تقوم بإدارة مجموعة منتجات مختلفة لثلاث شركات اتصالات - بيس (بلجيكا)، إي بلاس (ألمانيا)، وكيه بي إن (هولندا). ولكن بعد عدة سنوات غيرت الشركة من إستراتيجيتها لتركز على الإمكانيات الكامنة التي تم يمكن الاستفادة منها عندما يتم موافقة وتنظيم عمليات ومنتجات وخدمات كل تلك الشركات في كل الدول في نفس الوقت. وقد تم السعي لتحقيق التوازن بين وظائف مركزية محددة بهدف الاستفادة من الحجم بينما تم إبقاء المجالات الأخرى ضمن المستوى المحلي من أجل تحقيق المرونة. وقد سمحت عملية الدمج هذه في إطلاق منسق للخدمات في السوق ضمن المجموعة، مما أدى إلى تحقيق تحسينات ملحوظة في التكلفة وتحقيق دخل إضافي ومنافع إستراتيجية أخرى. ويظهر معيار أيه تي كيرني الدولي أنه يمكن تحقيق توفير كبير في التكلفة من خلال الدمج في العمليات الدولية مما قد يحقق للشركات توفيراً بنسبة 20 إلى 35 بالمائة.
ومثل كيه بي إن وشركات الاتصالات الدولية الأخرى في الماضي، توسعت شركات الاتصالات العربية مؤخراً وهي تواجه تحديات في تحديد المستوى المناسب للتحكم وإدارة المجموعة من أجل تحقيق أفضل النتائج الممكنة. وتتراوح الخيارات من التحكم المالي المطلق بمؤشرات الأداء الرئيسية من خلال هيكلية المجموعة الفعالة مع أنشطة مركزية مختارة مثل تغذية الشبكة، والإستراتيجية التجارية - مثل أوراسكوم - وحتى العمل من خلال إدارة قوية للمجموعة تقسم الشركة إلى مناطق مختلفة مع وظائف مركزية متعددة مثل فودافون، أورانج، وفرانس تيليكوم. وقال تيم بيترز مدير أيه تي كيرني في الشرق الأوسط: (لكل مجموعة ضوابط ملكية، تطلعات ومهارات مختلفة. لذا فهناك حاجة لتحديد التوجه المناسب لإدارة المجموعة. على الأقل، يجب تحديد أهداف الأداء بعناية ومراقبتها بانتظام من قبل ملاك المجموعة. ويتم في أغلب الأحيان حساب معدل العائد الداخلي IRR قبل الدخول في استحواذ جديد. نظرياً، فإن مستويات المنفعة وأداء السوق المفترضة عند حساب معدل العائد الداخلي يجب أن تصبح مباشرة أهداف الشركة الجديدة المستحوذة على المدى البعيد. ولكن الواقع يظهر أن الأداء نادراً ما يتم مراقبته في مقابل معدل العائد الداخلي.
وقال بيترز: (من المهام الضرورية لمواجهة تحدي التكامل وبناء القيمة المستدامة داخل المجموعة هو اختيار الفريق المناسب، التخطيط الفعال، الإدارة الصارمة المتكاملة، والتركيز على استغلال الإمكانيات الكامنة بشكل واقعي).
وأضاف قائلاً: (يجب أن تكون الأولوية الكبرى للمدراء التنفيذيين وأعضاء مجلس إدارة شركات الاتصالات في الشرق الأوسط هو في كيفية استخلاص القيمة القصوى والإمكانيات الكامنة في الاستحواذات من أجل أن تصبح الشركة لاعباً دولياً كبيراً من ناحية القيمة. وخاصة في فترات الأزمة الاقتصادية، من المهم جداً أكثر من أي وقت سابق التحول من التركيز المطلق على النمو إلى التركيز على استخلاص القيمة القصوى إلى جانب التطلع لتحقيق فرص النمو المناسبة عند توافرها).