Al Jazirah NewsPaper Saturday  07/03/2009 G Issue 13309
السبت 10 ربيع الأول 1430   العدد  13309
الصناديق السيادية والاستثمار في الداخل
فضل بن سعد البوعينين

 

سُلطت الأضواء بطريقة غير مسبوقة على الصناديق السيادية بعد أن تعاظمت أصولها في الأسواق الغربية على وجه الخصوص قبل الأزمة العالمية، وزاد التركيز عليها بعد الأزمة كمنقذ رئيس لكثير من الشركات الغربية. لم تكن الصناديق السيادية وليدة العصر الحالي فتاريخها ربما بدأ في خمسينيات القرن الماضي، وهي صناديق تابعة للحكومات متخصصة في الاستثمارات الخارجية طويلة الأمد.

تحقق الصناديق دخولاً إضافية لحكوماتها، وتساعدها في توزيع استثماراتها وفق نظرة إستراتيجية حصيفة، إضافة إلى دعمها سياسة تنويع مصادر الدخل، وفتح قنوات بديلة يمكن أن تساعد في مواجهة الظروف المتقلبة، إلا أن الفائدة لا تقتصر على الحكومات مالكة الصناديق، بل تتعداها إلى الدول الحاضنة التي عادة ما تنتعش اقتصاداتها بتلقي الاستثمارات المالية الضخمة. هناك منفعة مشتركة بين الدول المستثمرة والحاضنة، إلا أن ذلك لم يمنع الحكومات الغربية من وضع العراقيل وتوجيه الانتقادات للصناديق السيادية.

اختلفت الآراء حولها بين مؤيد ومعارض بحسب التوجهات الفكرية، والنظرة الاقتصادية الشاملة. الانتقادات الغربية للصناديق السيادية، ومحاولة ربطها بالشؤون السياسية، واستخدامها كوسيلة للهجوم جعلت السعودية تتراجع عن خططها الهادفة إلى تأسيس صندوق سيادي جديد يقبل تحمل المخاطرة المحسوبة.

الدكتور محمد الجاسر نائب محافظ مؤسسة النقد آن ذاك، والمحافظ الحالي، صرح في منتجع دافوس السويسري على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي، حول الصندوق السيادي، مطلع العام الماضي بأن (وزارة المالية تبحث في الوقت الراهن تأسيس هذا الصندوق)، مضيفاً: (إذا ظلت المناقشات بلا نهاية حول تجاوزات في الصناديق فأنا واثق أن بوسعنا الاستغناء عنه). وهو ما يُرجح فرضية تردد الحكومة حياله لأسباب لا علاقة لها بسياسة الاستثمار التحفظية، والتوقعات الاقتصادية.

الوضع الحالي أصبح مختلفاً بالكلية، فالآراء الغربية المعارضة، والمنتقدة لدور الصناديق السيادية في الدول الغربية تحولت بعد الأزمة العالمية إلى أصوات تطالب بزيادة التدفقات المالية السيادية للمساهمة في إنقاذ الشركات الغربية المفلسة وعلى رأسها المؤسسات المالية الرئيسة.

الصناديق السيادية الخليجية لعبت دوراً إيجابياً في الأسواق العالمية قبل الأزمة الاقتصادية، ودوراً قيادياً مسؤولاً بعد نشوب الأزمة الاقتصادية. الصناديق الخليجية ضخت مليارات الدولارات في الاقتصاد الأميركي في الوقت الذي انسحبت فيه استثمارات (بارونات) الغرب التي كان يُعتقد أنها من أركان الحماية الرئيسة للاقتصاد الأميركي وقت الأزمات.

الدول الغربية الكبرى باتت تنظر إلى الصناديق السيادية من خلال ما يصدر عنها تجاه معالجة تداعيات الأزمة العالمية، وإنقاذ شركاتها من الإفلاس واقتصاداتها من الركود، وهي ربما ربطت ردود أفعالها المستقبلية تجاه الصناديق السيادية بالنتائج النهائية.

المستثمرون الخليجيون ما زالوا ينتظرون من صناديقهم السيادية العون والمدد، وإصلاح ما أفسدته الأزمة الاقتصادية العالمية خاصة في أسواق المال، قطاع الاستثمارات، العقارات، والتمويل المصرفي.

الضغوط التي تمارسها الدول الغربية على الصناديق السيادية الخليجية لإنقاذ شركاتها المفلسة زادت من مطالبة المستثمرين الخليجيين حكوماتهم بدعم أسواقهم المالية المتدهورة، خاصة وأن حُرمة التدخل في الأسواق المالية لم يعد عذراً أمام رافضي الدعم لأسباب نظرية، بعد أن أخلَّت الدول الغربية بنظريات الاقتصاد الحر فدعمت، وتدخلت وأممت بعض قطاعاتها الاقتصادية.

الصناديق السيادية، والفوائض المالية، لا بد أن يكون لها دور فاعل في إنقاذ الاقتصادات الخليجية من تداعيات الأزمة العالمية. وبالتركيز على الاقتصاد السعودي نجد أن سوق الأسهم السعودية تعرضت لخسائر فادحة أعادتها إلى مستويات العام 2003 وكانت ضمن الأسواق الأكثر خسارة عالميا. قطاع الإنتاج الصناعي تعرض لخسائر فادحة بسبب تدهور الأسعار وانخفاض الطلب. القطاع الخاص أصبح يعاني من ندرة التمويل بعد أن توقفت المصارف العالمية عن تقديم القروض الضخمة بسبب الأزمة العالمية. معدلات البطالة بدأت في الازدياد التدريجي خاصة مع ظهور بوادر استغناء بعض شركات القطاع الخاص عن موظفيها. تداعيات الأزمة الاقتصادية كانت أكثر إيلاما في سوق الأسهم ومع ذلك لم تشهد السوق السعودية دعما مباشرا من الصناديق السيادية التي لم تتردد يوما في ضخ استثماراتها في الأسواق العالمية.

سوق الأسهم السعودية أوصلت تداعيات الأزمة العالمية إلى كل بيت وأسرة سعودية، يعمل الغرب بطاقته القصوى لدعم أسواقهم المالية، وشركاتهم المفلسة بأموالهم، وأموال الصناديق السيادية، في الوقت الذي تعاني فيه أسواق المال الخليجية من جفاف السيولة وضعف الاستثمارات. يُفترض أن يكون للأموال السيادية السعودية دوراً مؤثراً في السوق المالية، وأن تُعيد بعض أموالها للاستثمار في الشركات السعودية التي وصلت أسعارها الحضيض وباتت تقدم عوائد سنوية مجزية لا يمكن تحقيقها في الأسواق العالمية. الأموال السيادية إنما تبحث عن الفرص لتحقيق الربح، ولتعظيم الثروة، وهذه الفرص أصبحت أكثر توفرا وأمنا في السوق المحلية. إذاً يمكن القول أن فلسفة عودة الأموال السيادية للسوق المحلية تقوم في الأساس على مبدأ تحقيق الربح، وتوفير الآمان لها، وإن تحقق من وراء ذلك مصالح أخرى.

دعم الاقتصاد، وإنعاش السوق المالية، وتوفير قنوات تمويلية تساعد في إعادة دوران عجلة الاقتصاد بشكلها الطبيعي ليست الغاية الوحيدة المرجوة من الصناديق السيادية. بل إن الاقتصاد المحلي بات في أمس الحاجة إلى الأموال لتفعيل مشروعات التنمية، ولدعم قطاعات الإنتاج، ولخلق بنية صناعية داخلية يمكن أن تسهم في القضاء على البطالة. يمكن للأموال السيادية أن تلعب دوراً رئيساً في حل معضلة تملك المواطنين لوحداتهم السكنية من خلال بناء المدن السكنية، وتوفير وحدات سكنية اقتصادية وإعادة بيعها للمواطنين وفق الأنظمة التجارية. استثمار كهذا يمكن أن يحقق الربح ويساعد في تنمية الوطن وتوفير المسكن المناسب للمواطنين.

السياسات الاقتصادية الحكيمة تبنى في الأساس على تنمية الموارد المالية، وتنويعها، والبحث عن أفضل الفرص الاستثمارية في العالم، بل إن التوزيع الجغرافي للاستثمار يحقق في كثير من الأحيان فوائد جمة، ويساعد في تقليل المخاطر، وضمان استفادة الاستثمارات من إيجابية الأسواق المتنوعة، وحمايتها من المخاطر، وهو ما يفترض أن تقوم به الصناديق السيادية، إلا أن الأزمة العالمية ألقت بظلالها على الاستثمارات السيادية، وأضرت بالاقتصاد المحلي ما يجعلنا أكثر حاجة لعودة بعض الأموال السيادية للسوق المحلية، خاصة سوق الأسهم، للاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة، ولتحقيق الآمان، ولدعم قطاعات الاقتصاد التي باتت أكثر حاجة للدعم من أي وقت مضى.

***

F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد