Al Jazirah NewsPaper Saturday  07/03/2009 G Issue 13309
السبت 10 ربيع الأول 1430   العدد  13309
المنهج الخفي
د. فوزية البكر

 

يبلغ أصغر أبنائي من العمر 10 سنوات وهو في الصف الرابع الابتدائي ويقوم مدرس اللغة العربية بتشجيع الطلاب المتميزين وذلك بإعطائهم استكارات، ولكن اكتشفنا أن هذه ليست استكارات مثل تلك التي تباع في المكتبات وإنما هي تطبع بشكل خاص وتوزع إذ هناك دائما محتوى خلف الاستكارات،..

والأطفال مطالبون بحفظ هذا المحتوى الذي قد يكون أدعية او أحاديث اوأناشيد إسلامية أو شعارات وخلافه، ولأن ابني أظهر تفوقا في حفظ ما خلف هذه الاستكارات فقد انتقل معه المدرس الى مرحلة الكتب الدينية على اختلافها، والآن نسينا موضوع اللغة تماما ولا يحفل ابني او مدرسه بقواعد اللغة العربية او الاستمتاع بها قدر ما يؤكد على الحفظ والاستظهار لمحتوى الاستكارات والكتب فما هي الرسائل التعليمية الخفية التي وصلت لابني حتى الآن من خلال هذا الأسلوب التعليمي المتميز القائم على الحفظ والاستظهار لمواد خارج محتوى ووظيفة المادة التي يتم تدريسها وماهي الرسائل المعلنة التي يبثها هذا المعلم على أبنائنا في غيابنا؟؟ لا أحد يعلم !!!( رسالة من أم).

هذه بعض من الهموم (العميقة) التي على وزارة التربية والتعليم بإدارتها الجديدة مواجهتها فالذي يحدث داخل الفصول الدراسية هو فحوى ما نقوم به فما يدرس يحدث هناك وكيف يدرس ومن يدرسه..كلها هي صلب العملية التعليمية التي تخصص لها الدولة أكثر من ربع الميزانية السنوية في كل عام دون أن تتمكن هذه الميزانية من تحقيق مخرجات تحقق حتى الشروط الأدنى للقبول في أي نظام تعليمي ينتمي لهذا القرن.

الرسائل الخفية التي تمتلئ بها جنبات نظامنا التعليمي لا يقتصر مداها على الرسائل التحريضية والارهابية التي ربما أخذت حيزا لابأس به من الكتابات الصحفية والتقارير السرية والعلنية للوزارة بدرجة دفعتها للتحرك سواء داخل المدارس او في مجال مراقبة المعلمين اوالأندية الصيفية او خلافه لذا فسأتجاوز الحديث عنها الى الأشكال المختلفة للمناهج الخفية التي يحفل بها نظامنا التعليمي.

الرسائل الخفية التي توجه لتأكيد التمايز الجنسي بين الجنسين هي أحد هذه الأشكال لرسائل(تمميزية) لا تتوافق مع قيم المساواة والقبول الإنساني وتمتلئ بها جنبات الكتب المدرسية بلغة واضحة ومباشرة تظهر في العبارات والصور وخاصة في المرحلة الابتدائية حيث تتلخص أدوار البنات في الغالب على مساعدة أمهاتهن في الطبخ وإنهاء أعمال المنزل في حين لم تظهر ادوارا واضحة للذكور داخل الأسرة السعودية ( أحمد يستقبل زائرا أو عادل يشد حبلا: هذه هي الجمل الموجودة في كتب القراءة للصفوف الأولى )!!

لذا فلا عجب من حيرة الأدوار وارتفاع نسب الصراع لدي الأجيال الجديدة التي قد يكون أحد مسبباتها عدم وضوح الأدوار وتوقعاتها لدي الجنسين . المناهج الدراسية أيضا تؤكد التمايز المناطقي والطبقي التي تظهر في غياب صورة الآخر المختلف في هذه المناهج وهي التي توجه لجميع سكان المملكة رجالا ونساء، بيضا وسمرا، بدوا او حضرا ولكن لدهشتنا يغيب التنوع البشري عن صفحات الكتب المدرسية وتظهر الصور التعبيرية او الأشكال وخاصة في كتب القراءة لمواطنين بيض بملامح نجدية! ويختفي المواطنون السعوديون من أصول شرقية او إفريقية التفضيل المناطقي وتأثير ايدلوجيا المؤلفين للمناهج الدراسية وتحزباتهم الذاتية كلها تظهر دون أي تحرج في الكتب المدرسية إلى الدرجة أن احد القطع المقدمة لطلاب المرحلة الابتدائية حول السياحة الداخلية التي تتحدث عن الإمكانات الداخلية والمناطق السياحية الموجودة في المملكة، ويتسارع إلى ذهنك كأحد سكان هذا الوطن ان المؤلف سيذكر مدنا مثل الطائف باعتبارها المصيف التقليدي أو ابها والباحة كدوحتين طبيعيتين اتاحها الخالق على هذه الأرض ليزيد من غنى أرضها وتنوعها لكننا ننهي قطعة القراءة بتأكيد الكاتب على أن القصيم وعنيزة على وجه التحديد هي اهم مصايف المملكة !! المناخ المدرسي والجو العام في المدارس هي مناهج خفية يتم تعليم الطلبة ليتمثلوها في حياتهم الشخصية والمهنية مستقبلا.. فالإدارات التقليدية والسلطوية الزائدة والرسمية المفرطة في التعامل مع الطلاب والطالبات لحفظ النظام وحفظ هيبة المعلم والمدير والحرفية في تطبيق القوانين بعيدا عن روحها تمثل صلب ماهو سائد في مدارس التعليم العام وخاصة الحكومية منها، وفي المقابل تأتي الفوضى المفرطة داخل الفصول وعدم احترام المعلم أو القوانين المدرسية والتساهل في منح الدرجات كسمات بارزة لكثير مما يسمى بالمدارس الخاصة والأهلية بحيث لا يتمكن المعلم او المدرسة من توفير الشروط الأساسية لبيئة تعلم مثمرة وهو ما أنتج فوضى القيم فعلا مابين طلاب المدراس الأهلية مقارنة بالحكومية..

فالتقليدية الزائدة مقابل التسيب وشدة المعلم وسلطويته المبالغ فيها مقابل جحيم التجاوزات التي يعاني منها معلمو المدارس الأهلية خاصة ومعظمهم من المتعاقدين الذين يضطرون مكرهين لتأكيد بعض المفاهيم المغلوطة لدي آباء الطلبة في هذه المدراس بأننا ندفع ثمن هذا التعليم ونرغب في توفير بيئة تعليمية متساهلة للأبناء.

فماهي القيم الخفية التي ترسل للطلاب عبر هذا المناخات التعليمية وماهي مخرجات أنظمة تعليم غير منضبطة كما في المدارس الخاصة او شكلية ورسمية كما في المدراس الحكومية ؟؟؟ تعليمنا يحتاج إلى انتفاضة حقيقية تكون معاييرها الأساسية مبنية على مقاييس علمية وليس أيدلوجية او سياسية.

تم اختطاف هذا التعليم لأكثر من عقدين وجاء الوقت الذي افرزت مخرجاته النتائج الطبيعية لهذا الاختطاف بدرجة تحتم اعادته الى رياض التعليم والتربية خارج أطر الصراعات الأيدلوجية والمذهبية مع مراعاة حقوق كافة الشرائح الاجتماعية المنتمية لهذا الوطن.

نعم المدارس مؤسسات سياسية واجتماعية إلى درجة كبيرة وتستخدمها المجتمعات كافة لتأكيد وإعادة إعمار نظمها الدينية والاجتماعية والسياسية لكنها اولا و قبل ذلك مؤسسات إنمائية وانسانية هدفها تعهد امكانات الفرد وتحقيق شروطه الانسانية وتحقيق تكيفه الحقيقي في بيئته الاجتماعية والطبيعية من حوله بما يكفل تعليما يعنى به روحا وعقلا وجسدا كفرد ثم كمنظومة اجتماعية.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد