Al Jazirah NewsPaper Saturday  07/03/2009 G Issue 13309
السبت 10 ربيع الأول 1430   العدد  13309
سحاب
العولمة والتربية
د. عبدالإله المشرف

 

أصبحت العولمة واقعاً يفرض نفسه على شتى مظاهر حياتنا، وتتطلب منا بمعطياتها المتعددة أن نواكبها ونتعامل معها وننتفع بالمفيد منها، بحيث لم يُعدلنا خيار جليّ في القبول أو الرفض، بل أصبح لزاماً علينا التعامل الواعي المستفيد بأساليب فعالة وفق إستراتيجيات بناءة تتواءم ومتطلبات الفرد والمجتمع. ولعل من أبرز مظاهر العولمة المعاصرة هذا السيل الكبير من القنوات الفضائية والإذاعات والصحف والكتب والنشرات الإلكترونية المحلية وغير المحلية، وسهولة الوصول إلى مصادر المعرفة عن طريق الشبكة العنكبوتية.. وغير ذلك من قنوات وأدوات التواصل بين الشعوب والثقافات، ممّا يُعدّ تقدماً مذهلاً في مجال الاتصال ينبغي التعامل معه للاستفادة منه وتخفيف آثاره السلبية ما أمكن.

إن تطور تقنية الاتصال بين الأفراد والمؤسسات وتعذر التحكم في نوع ودرجة هذا التواصل يتطلب تجاوباً سريعاً وفعالاً من المجتمع أفراداً ومؤسسات في التوظيف الأمثل لهذه التقنية، وفي ترشيد استخدامها لتحقق الأهداف المرجوّة منها. وتأتي وزارة الثقافة والإعلام في مقدمة المؤسسات المسؤولة عن تمكين المجتمع من الاستفادة من هذا الكم الهائل من القنوات وحمايته من الآثار السلبية الناتجة عنها من خلال إستراتيجية يمكن من خلالها توفير البديل المناسب، وحماية المجتمع من الغث والرديء، وإذا كنا حققنا نجاحاً لا بأس به في حجب عدد من المواقع غير المناسبة على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) فإننا لا شك سوف نكون أقدر في التعامل مع القنوات الفضائية التي لا تتوافق وقيمنا ومعتقداتنا.

ويأتي دور وزارة التربية والتعليم ليؤصل منهج التلقي والتواصل من خلال توعية وتثقيف المجتمع نحو التعامل المثمر الإيجابي من الانفتاح الإعلامي الثقافي؛ حيث ينبغي أن يتكامل التعليم مع التثقيف في منظومة العمل المشترك لتوجيه ورعاية النشء وفق ركائز أساسية منها:

أ?- الاعتراف بتأثير هذه القنوات الإعلامية الثقافي والفكري والسلوكي في حياة الطالب ومحاولة التعرف على أبعاد مثل هذا الانفتاح الثقافي الإيجابية والسلبية وفق منهجية بحثية علمية.

ب- التعامل الإيجابي مع الوضع الإعلامي الثقافي العالمي بواقعية وشمولية بحيث تكمل طرائق التدريس والأنشطة اللاصفية ما قد يفتقر إليه المنهج المدرسي المكتوب، وبحيث يشعر الطالب بأن المدرسة تعيش واقعه وهمومه وتسهم في تمكينه من التفاعل الإيجابي الهادف مع الانفتاح الإعلامي الثقافي العالمي.

ت- العمل على خلق الطالب المنتمي إلى وطنه المعتز بثقافته القادر على استيعاب الجديد المفيد ورفض الملوثات الفكرية والعقدية، وبعبارة مختصرة صناعة الطالب ذي الفكر العالمي والانتماء المحلي والتعامل الإنساني الحضاري.

ث- تطوير آليات صناعة المنهج المدرسي بحيث يلبي المتطلبات المعاصرة، ومنح الجهات ذات الاختصاص كإدارة التعليم بالمنطقة والمدرسة والمعلم مساحة كافية من حرية التعامل مع المقرر الدراسي من حيث إضافة ما يتناسب مع البيئة المحيطة بمعنى (الانتقال من المنهج المركزي إلى المنهج شبه المركزي).

إن تسارع المتغيرات المعاصرة وتنوع احتياجات الفرد والمجتمع وتعاظم دور التقنية والإعلام في التأثير على القيم والسلوكيات وحتمية التواصل الفعّال مع الآخر حقيقة ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد والاهتمام.

إن الوسائل المتطورة المشوقّة غيرت مفاهيم كانت تعد ثوابت لا تتغير، وانعكست آثارها على النمط المعيشي لأبنائنا وبناتنا، مما ترتب عليه ازدواجية ثقافية يعاني منها عدد من الطلاب للتضارب والتناقض وعدم الاتساق بين القيم التي يتلقونها في المنزل والمجتمع وبين القيم التي يتشربونها من مثل تلك القنوات؛ مما يتطلب إستراتيجية عمل تكاملية بين جميع مؤسسات المجتمع بدءاً بالمنزل والمدرسة وانتهاء بالوزارة والمتجر والمصنع في سبيل تحقيق الأهداف الخاصة والعامة للفرد والمجتمع، وسعياً للحفاظ على هوية المجتمع وتحقيقاً لأفضل المكتسبات من هذا العالم الجديد.



amusharraf1@riyadhschools.edu.sa

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد