تكتسب المواقع عادة صفاتها من شخوص ممثليها، ودائماً يتطلّع الإنسان لاختيار الأفراد الذين يمثلون مواقع أعمالهم في جزيئاتها فكيف بمن يكونون على رأس مسؤوليتها الذين تنوط بهم القرارات والتنفيذ ومن ثم تعود إليهم نتائجهما..؟

وفي مؤسسات التعليم تدور رحى الأحلام، وتنعقد حول قيمة نتاج طحينها الآمال، وتوضع الأيدي على الصدور تحسُّباً لمن ستؤول إليه مقاعد المسؤولية، خشية أن تعود لغير أهلها، وصحيح أنّ المحكات تؤدي إلى الكشف عن القادر والناجح والفاعل فيها، لكن هناك سمات لا يختلف في أمرها من يُجمع على اختيار الشخصية المناسبة لموقع المسؤولية، فأستاذ الجامعة وعميد الكلية ورئيس القسم هم عصب نجاح المؤسسة التعليمية العالية أو فشلها، وقوف مائها عن السريان أو انسيابه في جداول العطاء، وإمداده روافد التزويد لتكون القرارات وتغدو أساليب التنفيذ بالغة النجاح، موفورة المكسب، ممثلة لتلك الأحلام في واقعية ما تذره رحى العمل والدأب والفعل.

عبد المحسن بن محمد بن علي السميح من الشخصيات العلمية والأكاديمية والمسؤولة التي أحسن اختيارها معالي مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعميد كلية العلوم الاجتماعية الدكتور فوزان الفوزان، ليتولى مهمة القرار والتنفيذ، وإطلاق روافد نهر العمل الجاد والمثمر، ليكون رئيساً فاعلاً لقسم التربية في الجامعة منذ تسلُّمه مقود القسم فيصبح مؤثراً فيه تطويراً وإضافة وعطاءً لا محدوداً، وتحديثاً فاعلاً هدفه بناء شخصيات الطلاب والطالبات في جو من الإنسانية المطلقة برحابة المعلِّم الفذ وقيادية الإداري الموهوب، وسعة صدر العالِم الأريحي الذي من حيث يبني بعطائه وجده وإخلاصه فإنه يعمر البناء الممتد له، الذي لا يُنقض أبداً، فلا أبقى من العلم النافع ولا أجدر من القيادة الحكيمة، ولا أثرى من البذل بلا مقابل إلاّ ما تمتد به نفوس وعقول نشأت على يد قدوة كهذا الأستاذ المتميز.

عرّفتني به مواقفه مع طلابه في قاعات الدرس بعد مواقفه معهم فوق مقعد القرار، فهو من أعطى برنامج الدراسات العليا للتعليم الموازي بمثل ما أعطى لبقية البرامج من خلال تبنِّيه كل شاردة وواردة لمنسوبي القسم من الطلاب والطالبات، وقد كاتبني من الجامعة العدد الكثير من الطلاب والطالبات وهم يتابعون موضوع (شاركوهم) المختص بالتعامل مع قضايا الشباب بما فيها المؤسسات التعليمية ليمنحوني فرصة التعرُّف على شخصية الدكتور السميح، وشرف الكتابة عن خلَّص مثله أنا حريصة دوماً على مثل هذا الكشف، وهم يُجمعون على أنه مثال لم ولا يتكرر في أسلوب بذله للجميع بلا تحيّز، وحزمه مع الجميع بلا تردد، وحرصه على الجميع بلا توان، الجميع تحت مظلّة أستاذيته يغرفون من علمه ونصائحه وتوجيهاته ما يجدونه منه فيما يبذله لهم من الوقت دون ملل، وما يقدمه لهم من علم يعطيه بلا منّة، وفيما يحرضهم عليه من عزم يشحذه فيهم وهو في رضاء تام بما يقدمه، وكأنه يبني المجتمع في الكل، وكأنّ مسؤوليته هم وحدهم، وليس لنفسه منه إلاّ ما يحققه من خلال طلابه وطالباته، وهم ليسوا الذين يدرسون فقط على يديه بل كل من ينتمي للعلم في القسم الذي يرأسه .. وحين يكون المسؤول على هذه اليقظة والقدرة على العطاء والتميُّز، فإنه يكون مثالاً آخر لمستوى الإداري المنفذ، والمعلِّم الإنسان والأستاذ القدوة في قاعات الدرس، حيث هناك هو الذي يؤسس بقوة ولا يتوانى عن بناء، في خلق العلماء الأتقياء، وفي شخص الرجل الأب الباذل بلا تردد، مما قال طلابه وطالباته في رسائلهم التالي: (إنه مدرسة من يتعلم فيها يؤهّل لأن يكون قدوة في معترك الحياة)، (إنّ علمه باب واسع مشرع للجميع من يدخله يأمن الجهل)، (مرّ بنا الكثير من الذين علّمونا في المدارس والجامعات نذكرهم عفواً أما هو فعلمه باق في كل مسلك لنا لا ننساه)، (يشركنا جميعاً عند تقديم الخبرات ويخصنا كلاً حسب حاجته)، (جعلنا أسرة واحدة نتعامل كالجسد الواحد إنه أستاذ يمثل قيم الصدق والإيمان)، (إنه الشمعة المضيئة لنا)، (إنه يحفز عقولنا للعمل وقلوبنا للتعامل مع بعضنا)، وذكرت مجموعة من طالبات الماجستير نقاطاً يقلن فيها: (عندما سجلنا للدراسة في القسم كنا نهاب كثيراً أن نفشل ولا نجد من يوجهنا، وجدنا أساتذة رائعين وتعليماً متميزاً وبرنامجاً مدروساً، وكان الدكتور واحداً ممن كانوا وراء هذا النجاح بصمته وبتعاونه ومبادراته بحل جميع ما يعترضنا من العثرات)..

وذهبت طالبة قارئة تدرس على يديه لمقال سابق لي كنت فيه أتحدث عن أساتذة الجامعات وعلاقاتهم بطلابهم أوردتُ فيه نماذج لمن لا يبنون ولا يتركون أثراً في طلابهم فقالت: (من خلال ما كتبتِ عن أعضاء هيئة التدريس، وعن إداريي مؤسسات التعليم فضلاً اكتبي عن النموذج المميّز في أستاذنا القدير الدكتور السميح لأنّ قلمك خير من يعبِّر عما تركه من أثر جعلنا نؤمن بنموذجية جامعة الإمام طالما فيها هذا الدكتور وأمثاله)...

لذا فإنّ الاختيار لمن يمثل المؤسسة التعليمية بات هو محور نجاحها والشاهد على مستواها، ويستحق منا هذا النموذج أن نقف لشكره وتقديره بل للدعاء العريض له، والتمني على الله أن يمده بمزيد من التوفيق والعلم والثبات والنجاح، وأن يكون قدوة لكل من هو على مقعد مسؤولية، وعند مجرى نهر، ليتدفّق على يديه علم نافع عن قلب مخلص وإيثار رحب، وأن يكون أول ما تضعه الجامعات بل مؤسسات التعليم عند اختيار قادتها ومسؤوليها صفات وسمات مثل هذا النموذج كما فعلت جامعة الإمام، بارك الله له في علمه وعمله ورزقه وولده، والتهنئة لجامعة الإمام أن فيها نماذج رائعة وبرامج جيدة وعلماً نافعاً وأساتذة فضلاء، بمثل ما فيها ممن يصنعون ذلك كله لها كالدكتور عبد المحسن السميح حفظه الله .. وبارك فيه وله .. وأعانه على مزيد مما نتطلّع له وعنه من المنجزات للجامعة.