بعد بشرى التوصل إلى اتفاق المصالحة الفلسطينية، تشهد مدينة شرم الشيخ المصرية - اليوم- المؤتمر الدولي لإعادة إعمار غزة، والذي يشكّل الضلع الثاني في مسيرة معالجة آثار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي يندرج ضمن التنفيذ المتدرِّج للمبادرة المصرية التي حملت اسم (مبادرة الرئيس حسني مبارك) التي أعلنها أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة، والتي شكلت اقتراحاً متكاملاً لإنهاء العدوان يبدأ بوقف إطلاق النار، وضمان سحب إسرائيل قواتها خارج قطاع غزة والتوصُّل إلى هدنة، وإطلاق حملة دولية لإعادة إعمار غزة، وقد شكلت هذه المبادرة مخرجاً لقرار مجلس الأمن الدولي الذي صدر لإنهاء ووقف العدوان الإسرائيلي.
ونظراً لعدم تجاوب إسرائيل مع نصوص القرار الذي لا يحمل صفة الإلزام، وكذلك لعدم تصويت أمريكا لتأييد القرار؛ حيث اكتفت واشنطن بالامتناع عن التصويت، فقد اعتبرت مبادرة مبارك مخرجا مشرفا يؤدي إلى إنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، وفي الوقت نفسه (يحفظ ماء وجه الإسرائيليين) الذين فشلوا في تحقيق أهدافهم من وراء ذلك العدوان، وبدلاً من أن تؤدي مغامرتهم العدوانية إلى إنهاء سلطة حماس في غزة، أو إطلاق سراح الجندي المختطف جلعاد شاليط على الأقل، دخلوا مرحلة الاستنزاف بعد أن وضحت قدرة مقاتلي حماس على استدراجهم، ولذلك، ومثلما عملت (مبادرة مبارك) على وقف التدمير الإسرائيلي للبنية الأساسية لقطاع غزة ووقف القتل المتعمَّد المتصاعد لأهل غزة، أوجدت - في الوقت نفسه- مخرجاً للإسرائيليين لوقف مغامرتهم المجنونة دون أن يوصموا بالفشل. ولهذا، فقد حظيت المبادرة بدعم دولي، فأعلنت وزيرة خارجية أمريكا آنذاك كونداليزا رايس دعمها بقوة، ثم ما لبث أن تقاطر إلى شرم الشيخ قادة فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا ورئيس وزراء التشيك الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي، إضافة إلى الملك الأردني عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس وأمين عام الأمم المتحدة وأمين عام جامعة الدول العربية، وعقدوا مع الرئيس المصري حسني مبارك مؤتمراً دوليا اعتمد المبادرة كآلية عملية لتنفيذ القرار الأممي الداعي لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة.
وبالفعل، أدى الضغط الدولي والأوروبي خاصة، والمساندة العربية لمبادرة الرئيس مبارك إلى وقف العدوان الإسرائيلي المكونة من أربعة أضلاع لتحقيق أهداف المبادرة، شكّل ضلعها الأول وقف إطلاق النار الذي نفذ بما فيه سحب القوات الإسرائيلية إلى خارج قطاع غزة، ثم انخرطت إسرائيل وحركة حماس والفصائل الفلسطينية بوساطة مصرية لترتيب هدنة لوقف العنف بين الطرفين، وكادت مصر تحقق (الضلع الثاني) عندما توصلت مع الوسيط الإسرائيلي عاموس جلعاد ووفود حماس إلى نقاط تفاهم، نسفها قبل إتمامها رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت الذي أراد استغلالها لتحقيق مكاسب شخصية سياسية، بتضمين شروط عقد الهدنة إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط إلا أن الحمساويين قطعوا عليه أحلامه بوقف التفاوض لتتجه جهود مصر إلى تحقيق الضلع الثالث المتمثل في تحقيق المصالحة الفلسطينية، وهو ما تحقق بدعم ومساندة قوية من الدول العربية وبخاصة المملكة العربية السعودية التي ترجمت رسالة التهنئة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للرئيس المصري وبقوة المساندة السعودية لهذه الجهود.
التكاتف والتنسيق المثمران بين القيادات العربية المحورية، وخاصة بين خادم الحرمين الشريفين والرئيس حسني مبارك أدى إلى السير قدماً في تحقيق الضلع الرابع في هذه المبادرة، وهو بند إعادة إعمار غزة، الذي كسب دعما قويا في قمة الكويت الاقتصادية، وبخاصة من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي أعلن في كلمته أمام القمة عن تشكيل صندوق عربي لدعم إعادة إعمار غزة وتبرع المملكة بمليار دولار، وتم تفعيل هذا التوجه في الاجتماع المشترك لوزراء الخارجية والمال بدول مجلس التعاون الذين أقروا مشروع إعادة إعمار غزة، وهذا ما سيجعل مشاركة الدول الخليجية إضافة إلى الدول التي لبت دعوة مصر، وخاصة أمريكا والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين واليابان في مؤتمر اليوم، قوة دعم كبيرة نتوقع أن تحقق -إن لم تزد- المبالغ المقدَّرة لإعادة الإعمار لما هدمته الهجمة الوحشية الإسرائيلية على مدن قطاع غزة، والتي تقدَّر بما لا يقل عن ملياري دولار أمريكي. وهذا ما سيؤدي إلى تنفيذ الضلع الرابع، ممَّا سيفرض على الإسرائيليين الاستجابة للضغوط الدولية لتسهيل تنفيذ الضلع الثاني من المبادرة والمتمثل في عقد هدنة طويلة تتيح تنفيذ برامج الإعمار.
jaser@al-jazirah.com.sa