أنا أعتقد - وعسى أن أكون واهماً - أننا في غالبيتنا نحب أن نحفر في المشتبهات المختلف عليها التي تثير دائماً فيما بيننا بواعث الفرقة والنزاع، ولا تجد نفوسنا ما يرضيها في ثبات الحال واستقرارها، بل تسعد هذه النفوس الغريبة بالمشكلات وبالأزمات...
...وبالظروف غير الطبيعية، وبالأحداث التي يمكن أن تساعد على صنع حال غير مستقرة نجتر أحداثها وتفاصيلها أكثر من مرة؛ لنزيد من رتم الخلاف والنزاع فيما بيننا لنبني عليهما ما نظنه مكانتنا بين الناس، ونحن في عمومنا نتحين فرصة حدوث أمر ما مهما كان وفي أي مسار كان لا يهم، المهم أن يحدث أمر ما حتى وإن صغر فلدينا وسائلنا الفعالة لتضخيمه وتكبيره ليكون مشكلة مستمرة، لا يهمنا حلها بقدر أن نتمسك بها لنطل بأفكارنا وآرائنا على الناس، لأننا أيضاً في غالبيتنا لا نبحث عن حلول المشكلات وإن كنا ندعي ذلك ونضلل الناس به، بل نبحث عن حال تفرض علينا أن نعيد الكلام في أحداثها أكثر من مرة، ونكتشف في كل مرة نوافذ جديدة لإبقاء صراعاتنا وخلافاتنا وبواعث القلق فيما بيننا قائمة، فهنا تجد غالبية النفوس متعتها وسعادتها، وهنا تكمن قدرة كثير منا الحقيقية التي لا يجاريهم فيها أحد.
وعودوا للموضوعات التي تطرح الآن في كل مجالات حياتنا لتعرفوا أن أصل الغالب منها على اختلاف مساراتها وطبيعتها واحد، وهو حرصنا على البحث عن مواطن النزاع والخلاف فيما بيننا، الشاهد على هذا أننا نمسك بموضوع مختلف فيه، ثم نطرحه ونكرر طرحه، ونغوص فيه باختلاف زوايا مناقشته واستدلالاته حتى يحفظ من يتابعه عن ظهر قلب كل ما يراد قوله، دون أن يتنازل أحدنا عن موقفه قيد أنملة، فإذا مل الناس من تكرار طرح الموضوع دون جديد فيه نتحين أي حادثة أو أي أمر طارئ حتى وإن كان لصغره يكاد لا يبين، لنفرد له مساحات لا يستحقها، ونتمادى في طرح الآراء والأفكار والانتقادات لنعيد تحريك ما استكان للركود، وتبقى حياتنا في هذا البحر الهائج من الخلاف والنزاع والقلق والأخذ والرد، وإذا لم تطاوعنا الظروف أو الأحداث في صنع حدث جديد يمكننا من إعادة الموضوع لحدته فلا نجد غضاضة في اختلاق شيء أو افتراء أمر ليناقضه كثيرون ويتداخل معهم آخرون فنسعد ونجد مبتغانا، فالمسألة بالنسبة لنا لا تتعدى موضوعاً يخلق مناطق كثيرة للنزاع فيما بيننا لنتجادل فيه ويقفز بعضنا على بعض ولا بد أن نبقيه ساخناً ونطيل فيه قدر المستطاع ليتحقق لنا ما نريد.
وعلى هذا أقول لا تستغربوا أن يعاد طرح موضوع قيادة المرأة السيارة، أو موضوع الحجاب والاختلاط وغيرها من الموضوعات التي يتمسك بها كثير من كتاب الصحف لا يحيدون عنها وهي لا تشكل هماً يتطلب هذا التمسك بها، وبزوايا وأطروحات مختلفة، وتأكدوا أن الأمر لن يقف عندها، فنحن وبحسب طبيعتنا سنصنع من هذه الموضوعات لو تحققت - وهذا ما لا أتمناه - موضوعات أخرى تبقي الجدل والنزاع قائماً، لأننا أصلاً لا نحب حياة راكدة مستقرة، بل نتراكض خلف سراب لا نعرفه، وندفع الكثير ليستمر هذا الجدل فيما بيننا حتى يظهر كل منا قدرته الشخصية ويحدد حيز مكانته بين الناس دون البحث عن الحلول التي يدعي الغالبية أنها أساس قصدهم.. والله المستعان.