لا تقولوا إننا مغرمون بلغة المؤامرة على (حماية المستهلك) ولا تظنوا أننا دون غيرنا نهوى المشاكل، ونشيع المنغصات، لنُذكِّر أنها (حماية سَتَهْلك).. فها نحن في مناظراتنا اليومية، ومناقشاتنا المصيرية نذكر أن هذه الهيئة استيقظت بأمر الله من غيبوبتها، وعادت إليها روح المقاومة، فسبحان من يحيي العظام وهي رميم.
فبعد أن نُكِّل بها، وحوّلت إلى مشروع (حماية الجودة والنوعية) قبل أعوام ها هي تعيد ترتيب أوراقها، وترتدي ثيابها القديمة الجديدة، لتلوح لنا بعزم وإصرار أنها ستقف مع المستهلك في وجه جشع التجار والمستوردين، ونهمهم المفرط، لتنتزع منهم حقوق الناس، وتُذكِّرهم بالواجبات المنوطة بهم.
وهذه ال(منوطة) لفظة قد تكون مريبة، وحدسية تحتاج إلى تعريف، وتحليل، فلعلها لا تكون هي السبب في تحييدها وإبعادها عن المشهد طيلة تلك الأعوام العجاف، لأنك لو حاولت أن تُذكِّر أحداً بالأشياء (المنوطة) به فربما لن تكون حكيماً.. أو مستهلكاً طيباً!!
فالأسعار ارتفعت وقلنا أمرنا لله، وانخفضت في بلاد المنشأ، وبلاد مستهلكة، أهلها مثلنا فقلنا لله الحمد والشكر حينما عادوا إلى رشدهم - أعني التجار - ومن لف لفهم، إلا أن الأمر لدينا لم يتغير، فطالت برهة الانتظار، وبدأ ذر الرماد في العيون، فلم يتغير شيء، إنما كادت الأمور أن تتأزم حينما ثارت حمية التاجر المستورد على بلد المنشأ، ليتعاطف مع المُصنِّعِين ضد أبناء وطنه المستهلكين حيث لم يشأ أن يخفف من غلو الأسعار.
ركض البعض مهرولين والوعي يسكن قلوبهم.. أخذوا معهم الأخت (حماية) العائدة للتو بنشاط وحيوية، لكنهم ردوا على أعقابهم و(كأنك يا أبا زيد ما غزيت)، فلم يُعبأ بهم، بل حينما حمي الوطيس في إحدى المسامرات الفضائية والأرضية حول الأسعار وسبب تسمرها في مكانها على ارتفاع أفاد المُنَظِّر لا فض فوه!! مؤكداً على أن السبب هو المواصفات العالية والمميزة في الصناعات التي تفد إلينا.. فأي سلعة تصل إلينا يدَّعي أن لها شأناً خاصاً!! فهي مواصفة (مدبولة)، ومزودة بدعائم قوية.. وما إلى تلك الادعاءات التي لا تخرج عن كونها ترقيعات وإضافات لا فائدة منها.
ولو هرعت إلى الجوار لتفتش عن مواصفات ما يستوردون من سيارات وأدوات وأغذية وملبوسات أو أي كماليات ستجد أنها قد تكون كالتي نستخدمها أو نستهلكها، بل ربما تكون أفضل مما نستورده نحن.
والأدهى من ذلك أن النوعيات التي تصنع لنا تأتي بمواصفات متواضعة معدة من هنا، و(حماية المستهلك) تكاد تفقد صوابها، لتفرك يديها من القهر لفرط ما تسمع من الادعاء الذي يتردد عبر الفضائيات، والأرضيات أن (حماية المستهلك) هذه سَتَهْلك إن بقيت مع هؤلاء الذين لا يريدون لجيوبهم أن تعمر وتمتلئ.
عودة (حماية المستهلك) إلى المشهد الاقتصادي، والاستهلاكي سيكون لها أثر مميز في حياتنا، فلعلها تحاول أن تجاري الفرحة بعودتها بتقديم عطاء محسوس يكافح سوس المطامع الضيقة، والنهم المالي الذي قد لا يوقفه شيء على الإطلاق.
Hrbda2000@hotmail.com