أقلّ من ألف وخمسمائة سنة تفصل بين معركة ذي قار، التي انتصر فيها العرب المستضعفون آنذاك على الفُرس ذوي القوة والسطوة، وبين وضع العرب المحيطين وغير المحيطين بدولة (فارس) الحالية الآن المسماة اسماً حديثاً، الفارسية فكرياً ولغوياً و(توسعياً).
|
الأوضاع متشابهة من نواحٍ، ومختلفة من نواحٍ أخرى.
|
فقد كانت فارس (ساسان) قديماً، الدولة المستبدة، وهي اليوم دولة مدنية مسالمة تكره العدوان وتساند المظلومين!
|
وكان السبب الرئيس سابقاً إذلال العرب والنيْل من كرامتهم، والآن الهدف يتراوح بين نشر (فكر ثوري) معيَّن، والاستيلاء على أراضي وثروات بلاد مجاورة.
|
وكانت القوة تتمثل في كثرة الجنود ووجود فيلة ضخمة وترسانة أسلحة من نبال وسيوف ورماح لا حد لها، والآن هناك الصواريخ طويلة المدى، والعدد الهائل من الجند والسلاح النووي الذي إن لم يكن قد اكتمل فسيكتمل!
|
وفي الجانب العربي كانت هناك قبائل متناحرة ومختلفة، فهناك بكر وقيس وتميم وغيرها، والآن هم عبارة عن دول بين بعضها تناحر وخلاف شديد.
|
والجغرافيا تختلف عربياً، فقد كانت المسألة لا تتجاوز مناطق محدودة متاخمة لدولة فارس، أما الآن فالمساحات شاسعة تتوزع على قارتين!!
|
الأسد الفارسي عندما كشَّر عن أنيابه وعزم على الفتك بقبيلة عربية، تحركت وتدخلت باقي القبائل العربية بدافع النخوة وأخوة الدم.فما الذي سيحرِّك دول بني يعرب وتتدخل عندما ينوي العدو غزو إحداها؟
|
الشد والجذب، والتصريحات التي تُلقى بين حين وآخر من الجار الفارسي الذي يُعِد جيشاً عرمرماً ويطوِّر أسلحة وصلت إلى كونه قد أصبح قاب قوسين أو أدنى من امتلاك السلاح النووي، وإصراره على تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي، ودعمه لكل (متمرد) في كل دولة عربية مجاورة وغير مجاورة، وقبل ذلك كله دوره المشبوه في إسقاط دولة مجاورة وتدمير بنيتها، بل وحضارتها!
|
كل هذا يلقي علامة استفهام كبيرة مسبوقة بسؤال أكبر يقول:
|
هل يشهد هذا العصر (ذي قار) جديدة؟
|
كما أسلفت فهناك مؤشرات عديدة وقوية لقرب وقوعها، فقد غُزيت قبيلة (أقصد دولة) ولم يتداركها العرب، واستحوذ عليها، والغازي (الحقيقي) يجعل من نفسه حملاً وديعاً، فما بالنا إن زمجر الأسد وكشَّرعن أنيابه؟
|
لا أظن أن العرب قد فقدوا بالكلية عنصر النخوة والإحساس بأخوة الدم، وحتى مَن فقدها أو تناساها، ألا توجد عنده غريزة (حُب البقاء)؟
|
فالعدو (الذي يتظاهر بالود) لا يفرق بين العرب، لا ديناً ولا لوناً ولا غيرهما، فهو إن تمكَّن فهدفه اجتثاث كل ما هو عربي على أرض العرب، فهل يعي العرب خطورة هذا التهديد المحدق بهم؟؟؟
|
|
يقول لقيط بن يعمر الإيادي من قصيدة وجهها محذراً قومه من زحف الفُرس نحوهم، وكأنه يوجهها اليوم للعرب كافة:
|
َبلِغ إِياداً وَخَلل في سَراتِهم |
أَني أَرى الرَأَيَ إِن لم أعصَ قَد نصَعا |
يالهفَ نفسِيَ أَن كانت أُمورُكمُ |
شَتى وَأُحكِمَ أَمرُ الناسِ فاجتمَعا |
أَلا تخافونَ قَوماً لا أَبا لكمُ |
أَمسَوا إِليكم كَأَمثال الدَبا سُرُعا؟ |
أَبناءُ قَومٍ تأَوَّوكم عَلى حَنق |
لا يَشعُرونَ أَضَرَّ اللهُ أَم نَفعا |
لَو أَنَّ جَمعَهُمُ راموا بِهَدَّتِهِ |
شُمَّ الشَماريخِ مِن ثهلانَ لانصَدَعا |
في كل يَومٍ يَسنونَ الحِرابَ لكم |
لا يَهجَعونَ إِذا ما غافِلٌ هَجَعا |
ما لي أَراكم نِياماً في بُلهنِيَةٍ |
وَقَد ترَونَ شِهابَ الحَربِ قَد سَطعا |
هُوَ الجَلاءُ الذي يَجتثُّ أَصلكمُ |
فمَن رَأى مِثلَ ذا رَأياً وَمَن سَمِعا؟ |
لقَد بَذلتُ لكم نصحي بلا دَخَل |
فَاستيقِظوا إِنَّ خَيرَ العِلمِ ما نَفعا |
ماذا يرَدُّ عَليكم عِز أَوَّلِكم |
إِن ضاعَ آخِرُهُ أَو ذلَّ وَاتضَعا؟ |
|