كتابة العدل دائرة حكومية تختص بتوثيق العقود والإقرارات، كما يقول نظامها.
من ضمن الإجراءات المطلوبة لدى كتابات العدل في المملكة وجود شاهدين على عملية البيع أو الشراء بالنسبة للعقارات، أما فيما يتعلق بكتابات العدل المختصة بإصدار الوكالات، فإن الشاهدين يقومان ليس فقط بالشهادة على الوكالة، وإنما بالتعريف على الموكل.
من يراجع كتابات العدل في شأن من شؤون البيع والشراء العقاري أو إصدار الوكالات الشرعية الرسمية فإنه يلحظ أن مسألة الشهود أصبحت مجرد روتين لا يُكترَث به كثيراً، أو على الأصح (مطب) يتجاوزه طرفا العملية المراد توثيقها، سواء كانت بيعاً أو شراء، أو وكالة على طريقة (افزع لي وافزع لك) أو (اشهد لي واشهد لك) يقوم بذلك المراجعون الذين تمتلئ بهم مكاتب العدل.
هذه (الفزعة) تتم تحت نظر موظفي التوثيق أنفسهم، الأمر الذي يشير إلى أن الموظفين، ورغبة في تسهيل معاملات الناس، يتغاضون عن هذه التجاوزات التي تتطلبها الأنظمة الإجرائية.
التغاضي من قبل موظفي التوثيق يؤكد عدم قناعتهم بضرورة الشهادة أو التعريف كإجراء نظامي في مثل هذه الشؤون؛ والسؤال: إذا كان هناك قناعة بأن الأهم الهوية المسجلة رسمياً، والذي لا يمكن بحال إقرار مثل هذه العمليات دون إثبات رقمها في الوثيقة، فلماذا -إذن- الإصرار على مثل هذه الإجراءات (الروتينية) طالما لا يُكترث بها عملياً؟
التعريف قد يكون شرط ضرورة بالنسبة للنساء المنقبات، حيث إن تعريفها من قبل ذي محرم، بعد أن يتم التثبت من هوية المعرّف وسجله المدني، أمر تمليه الضرورة؛ أما الرجال، وفي عصر أصبحت فيه الهوية والصورة (إثبات) يقطع الشك باليقين إلى درجة كبيرة، فإن مثل هذه الإجراءات يجب أن تتماهى مع المستجدات التي فرضت على الحياة طابعها، وأن نعيد متطلبات الإثبات بما يتماشى مع طرق الإثبات الجديدة، وأهمها الاكتفاء بالهوية الرسمية ذات الصورة.
من الناحية الشرعية، فإن هذه الشهادة تكيّف على أنها (شهادة إثبات)، وشهادة الإثبات نوع من أنواع البينة. ابن القيم -رحمه الله- في كتابه (الطرق الحكيمة) اعتبر أن البينة: (اسم لكل ما يبين من الحق، ومن خصها بالشاهدين أو الأربعة أو الشاهد لم يوف مسماها حقه). ويقول في (اعلام الموقعين) ما نصه: (والله تعالى لم يحصر طرق العدل وأدلته وأمارته في نوع واحد وإبطل غيره. فأي طريق استخرج بها الحق ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها، والطرق أسباب ووسائل لا تراد لذواتها، وإنما المراد غاياتها التي هي المقاصد).
وحسب اللائحة التنفيذية لاختصاص كتّاب العدل الصادرة بتعميم معالي وزير العدل برقم 13-ت- 2460 في 25-5-1425هـ تقول (المادة الحادية عشرة) من هذه اللائحة ما نصه: (يجب على كاتب العدل سماع الإقرارات والإشهاد عليها والتأكد من شخصية المقر والشهود والتثبت من الوثائق والصكوك بنفسه وعدم استنابة أي من موظفي الإدارة في تولي شيء من ذلك). وهذه المادة، وتحديداً الشق الذي (يوجب) سماع الإشهاد على الإقرارات، أمر لا يكترث به كتّاب العدل، وزيارة لأي كتابة عدل في المملكة تؤكد ما أقول.
والسؤال الذي يفرضه السياق: لماذا الإصرار على المعرف والشهود على العقد طالما أن هناك وثيقة رسمية (تعرف) بالهوية؟ وطالما أن الإقرار موثق ويصدر عن (جهة رسمية)، وطالما أن التوثيق يصدر من كاتب عدل هو (شاهد) إثبات على صحة العقد، وفي الوقت ذاته مخوَّل بإثبات العقود من جهة رسمية الأمر الذي يرتقي بالإقرار إلى درجة (الثبوت) الشرعية دونما الحاجة إلى شهود إضافيين.
إلى اللقاء.