كتب - عبدالله الرفيدي
حذر اقتصاديون من مواجهة قطاع البتروكيماويات في المملكة لأزمة مالية كبيرة قد تؤدي إلى توقف الشركات الحديثة العهد بالسوق والإنتاج التي يستثمر فيها 15 مليار ريال، وقلل الاقتصاديون من المخاطر التي تصيب الشركات القديمة التي استطاعت إطفاء تكاليف التأسيس، إلا أنها ستواجه انخفاضاً حاداً في الأرباح ومطالبة في نفس الوقت بإيقاف العمل في الشركات الجديدة التابعة لها.
وأكد الاقتصاديون أن سوق المال سوف يواجه ردة فعل غير جيدة تقوده إلى الهبوط بسبب تردي أوضاع القطاع عندما يتم إعلان النتائج في الربع الأول، مؤكدين أن حالة السوق الراهنة ما هي إلا قراءة مبدئية للأوضاع.وناشدوا الجهات المعنية سرعة إنقاذ القطاع قبل أن يقع في دائرة الخطر، ووضعوا خطة إنقاذ يمكن أن تساهم في حل المشكلة.وكشف الدكتور عبدالله صادق دحلان رئيس مجلس أمناء كليات إدارة الأعمال في جدة أن عدداً من شركات البتروكيماويات سوف تواجه عجزاً لسداد القروض بسبب الانحدار السعري الكبير، وقال إن أسعار مادتي بروبيلين والبولي إيثيلين وهما أساس المواد البلاستيكية في الأسواق العالمية هبط سعرها للطن من 2000 دولار ليستقر عند 800 دولار، وزيادة الهبوط عن هذا السعر ليس إلا نتيجة واحدة هي إقفال المصانع المنتجة للمادتين مؤقتاً أو تحقيق الخسائر التراكمية التي ستؤدي إلى الإقفال النهائي في حال استمر الانخفاض السعري.
وتوقع دحلان أن يكون العام الحالي عاماً صعباً؛ حيث يتوقع أن ينخفض فيه الطلب العالمي 30% والأسعار 60%.
وحذر دحلان من أن الشركات الجديدة التي يصل عددها إلى 8 شركات وبدأت الإنتاج العام الماضي، والتي ستبدأ العمل هذا العام وتبلغ استثماراتها ما يصل إلى 15 بليون ريال، تواجه الخطر الأكبر لعدم متانة مركزها المالي حيث استهلكت أموالها في التأسيس والبناء وبالتالي انعدام وجود الاحتياطي المالي، أو انتهت من إطفاء التكلفة، وعلى الدولة الوقوف معها وبشكل سريع. وللأسف لم تتخذ هذه الشركات أي خطوات تعبر عن خطة مواجهة للأزمة العالمية.
واستطرد دحلان قائلاً: أما الشركات القديمة مثل سابك فإن الأثر سوف يكون على مستوى الربحية في أغلبه لأنها استطاعت بناء قاعدة مالية متينة ويمكن أن تتقبل الانخفاض في الربح لفترة مؤقتة. وسوف يكون التأثير للأزمة العالمية إلى خارج الحدود حيث تؤجل الشركات العالمية الاستثمار.وعلى الصعيد الخليجي يبلغ حجم الطاقة الإنتاجية للصناعات البتروكيماوية أكثر من 70 مليون طن في العام، منها 37 مليون طن في المملكة تنتج منها سابك 23 مليونا سنوياً، وتصل نسبة المصانع السعودية 45% من الإنتاج الخليجي. وقد زاد الإنتاج ما بين عامي 2000 و2007م 260%، والإنتاج السعودي 160%، ويتوقع أن تستمر الزيادة الإنتاجية في المملكة حتى عام 2012م 7.8 مليون طن، وفي العام الحالي 2009م 2.7 مليون طن.
وعلى صعيد السوق المالية فإن التأثير سوف يكون واضحاً جداً في قطاع البتروكيماويات؛ حيث ستبدأ الشركات في إعلان إما انخفاضاً حاداً في الربحية أو عدم التحقيق لها.
ولإنقاذ هذا القطاع قال دحلان: لا بد من تحديد فترة السماح من صندوق الاستثمارات العامة والصندوق الصناعي فيما يخص سداد القروض، وأيضاً على أرامكو أن ترفع مدة السداد بدلا من 45 يوماً إلى 120 يوماً للمادة الخام.
من جانبه حذّر الدكتور محمد شمس من تفاقم الأزمة المالية على قطاع البتروكيماويات في المملكة وخاصة الشركتين القائدتين له وهما أرامكو وسابك. وقال رئيس مركز استشارات الجدوى الاقتصادية في جدة إن المنتجات المرتبطة بهذه الصناعة واسعة جداً أو بالآلاف، تبدأ من صناعة الطائرات حتى صناعة الملابس، وهذه الصناعات قد تأثرت على المستوى العالمي بشكل واسع؛ حيث انخفض الطلب على منتجاتها ما يصل إلى 60%، هذا بالإضافة إلى أن الكثير من المصانع إما أقفلت أو أعلنت الإفلاس. وبالتالي فإن التأثير على قطاع البتروكيماويات في المملكة سوف نلمسه قريباً، وسوف نشاهد شركات تعلن عن عدم تحقيق للربحية ومواجهتها لخطر الإغلاق. وفي الوقت نفسه تواجه مشكلة سداد القروض التي حصلت عليها من مصارف محلية وعالمية إضافة إلى تأثر أدوات التمويل الحكومية مثل الصندوق الصناعي وصندوق الاستثمارات العامة واستثمارات صناديق التقاعد والتأمينات، وهذه الجهات مجتمعة قد وضعت مليارات الريالات في رؤوس أموال شركات القطاع.
وأضاف شمس: لعل المساهم الذي يعد الضحية الأولى ليس له قدرة في إنقاذ الشركة، ويمكن أن يتحمل تبعات الوضع عندما يسوء دون أن يطالب بأي حق.
أما السندات فسوف تكون المشكلة الحقيقية التي تواجهها سابك؛ حيث إنها ملزمة بدفع قيمتها والفوائد المترتبة عليها لمن اشترى السند.
وأشار إلى أن أرباح سابك قد انخفضت 95%، وهذا يعني أن هناك سنة مالية صعبة تواجه الشركة والشركات التابعة والمستثمرين في نفس القطاع.
وقال د. شمس: سوف تواجه شركات البتروكيماويات مشكلة الالتزام بسداد القروض والفوائد المتراكمة خاصة مع المصارف وفي الوقت نفسه نجد أن كبار المودعين في البنوك قد واجهوا الخسائر بسبب الاستثمار في أمريكا، وبالتالي نجد أن المصارف اتجهت إلى خفض نسبة الإقراض ورفع نسبة الفائدة عليه أكثر من 5% إضافة إلى العمل على تحصيل ديونها لدى الشركات.
ورغم إعلان الدولة ضمان وضع المصارف إلا أن المصارف الأجنبية سوف تطالب بقروضها في وقتها.
وبالرغم من إعلان سابك عن إجراءات للإنقاذ بتخفيض بعض التكاليف قال د. شمس: إن خطة الإنقاذ يجب البت فيها بشكل سريع؛ فالمشكلة تواجه أرامكو التي لديها بترو رابغ ومصاف خارجية واستثمارات مشتركة عالية التكاليف، ويمكن تحديد الخطة في النقاط التالية:
- تخفيض رواتب أصحاب المناصب العليا ومنع المكافآت المالية والمصاريف الإدارية.
- إلغاء توزيعات الأرباح.
- تحديد فترة السداد لصناديق الدولة.
- زيادة الدعم من أرامكو بخفض إضافي للمادة الخام مثل الغاز وعدم الالتفات لمنظمة التجارة العالمية التي نراها لا تفعل شيئاً أمام دعم الحكومة الأمريكية والأخرى الأوروبية للشركات والمصارف.
- تفعيل الرقابة الحكومية الصارمة على الشركات مثل أرامكو وسابك والاتصالات حتى لا تضطر الدولة لمواجهة مشكلتين مهمتين وهي توجيه الدعم المالي الضخم للشركات لإنقاذها والمشكلة الثانية الحفاظ على وظائف المواطنين الذين يعملون بعشرات الآلاف في سابك وغيرها حيث إخراجهم من هذه الشركات يعني الوقوع في أزمة بطالة لا يمكن السيطرة عليها. وبشكل أوسع تكون الرقابة على جميع الشركات الكبرى في المملكة.
- توجيه الاستثمارات إلى الداخل التي سوف يكون لها فائدة كبيرة في تقليل المخاطر وإنعاش قطاعات الاقتصاد المختلفة وخلق فرص وظيفية جيدة للمواطنين حيث يوجد استثمارات خارجية ضخمة للشركات الوطنية مثل أرامكو التي وجهت مبالغ كبيرة للاستثمار في المصافي مع الشركات العالمية، كما يجب التوقف عن التوسع الخارجي.
وقال د. شمس إن ما نلاحظه الآن من عدم قدرة المؤشر على الصعود والتوجه نحو الانخفاض هو الضبابية الموجودة لدى المستثمرين؛ حيث إن التوقع بإعلان قطاع البتروكيماويات تحقيق خسائر بات يقترب من التأكيد، إضافة إلى أن المصارف الوطنية قد تميزت بعدم الشفافية حول أوضاعها؛ حيث تتبع السرية والغموض في قوائمها المالية في الوقت الذي تعلم فيه أنه لا بد من أن تنكشف الحقائق هذا العام، والذي يطمئننا في وضع المصارف هو إعلان الدولة حمايتها للمصارف ودعمها لها في حالة الخطر.
أهم البيانات المالية
بلغ مجموع القروض التي قدمها صندوق التنمية الصناعي للقطاع في عام 2007 فقط 3.27 مليار ريال؛ ليصبح مجموع ما قدمه منذ تأسيسه 25.2 مليار ريال. وقد بدأت 6 مشاريع في عام 2007 بالعمل منها 4 مشاريع توسعة ومشروعان جديدان.
وتصل نسبة السعودة في القطاع 37%، وهي النسبة الأعلى في قطاع الصناعة، وتتصدر سابك الشركات الوطنية في السعودة.
وتبلغ القيمة الاسمية لقطاع البتروكيماويات في السوق المالي السعودي 80.8 مليار ريال، وتشكل الأسهم الحرة 3.3 مليار سهم، وتبلغ القيمة السوقية 207.68 مليار. أما حقوق المساهمين فتبلغ 167.43 مليار ريال.
واستثمر هذا القطاع عشرات المليارات في إنشاء مصانعه العالية التكاليف.
وتعد شركة سابك العضو القائد للقطاع لكبر حجم أعمالها وتاريخها الطويل من النجاح الذي بلغ ذروته منتصف العام الماضي، واستطاعت أن تصل إلى تحقيق 126 مليار ريال من المبيعات في عام 2007. كما أنها استمرت في تنويع قنوات التمويل لتوسعاتها؛ حيث أصدرت خلال العام 2007م صكوكاً بقيمة 8 مليارات ريال مقابل 3 مليارات ريال في عام 2006م، وكان أكبر مشاريعها شراء قطاع البتروكيماويات في شركة جنرال إلكتريك بقيمة 43.5 مليار ريال.
ولديها مشروع ميثانول شركة الرازي الذي تمتلك فيه 70% ومصنع البولي بروبيلين الثالث في شركة ابن زهر الذي تمتلك فيه 80% وغيرها من المشاريع الطموحة التي سوف تواجه مصاعب خلال العامَيْن الحالي والقادم، وهي بحاجة إلى تدابير احترازية لما قد ينتج عن توجهات الأسواق العالمية من ناحية السعر والطلب.
إلى ذلك اعتبر الدكتور حبيب الله محمد التركستاني الباحث في تسويق البتروكيماويات أن الصناعات البتروكيماوية الخليجية تواجه تحديات في السوق العالمي خاصة في المرحلة التي صاحبت الأزمة المالية، وتكمن التحديات في القدرة على التعامل مع التطورات والتقنيات التي تتطلبها الصناعة والقدرة على الاستثمار في مجال البحث والتطوير.
كما أن التذبذب في أسعار النفط في الأسواق العالمية يسبب الكثير من المشاكل على الصناعات البتروكيماوية المتوسطة والصغيرة؛ حيث إن زيادة الأسعار تعني زيادة التكاليف والقدرة على التسويق.وتابع التركستاني: بالنسبة إلى موضوع الإفلاس والتحديات الاقتصادية الأخرى فلا أعتقد أن الصناعات البتروكيماوية ستواجه الإفلاس لأن الصناعة حيوية وضرورية وناشئة، ولكن يمكن أن تتعرض إلى تراجع في الطلب على المنتجات بسبب النقص الكبير في السيولة في السوق، وأعتقد أن الصناعة البتروكيماوية قادرة على إعادة التوازن إلى السوق خاصة في مجال الصناعة البلاستيكية وصناعة بعض مواد البناء.
وحول توجُّه التمويل الاستثماري الكبير نحو هذا القطاع يرد التركستاني هذا التوجه إلى كون القطاع أكثر أماناً من ناحية العرض والطلب ولأن دول الخليج تمتلك الميزة النسبية في الصناعة ومن حقها أن تركز على الصناعة البتروكيماوية. وبالإضافة إلى ذلك من الواجب تنويع الصناعة بحيث تكون هناك صناعات مكملة.وطالب التركستاني بالتوجه إلى مجال الصناعة الزراعية وأن تستغل الموارد والمصادر الزراعية مثل منتجات التمور والزيتون المنتشرة حيث إن هذا الأمر يساعد على توفير الأمن الغذائي ويشجع المزارعين على الاستفادة من الأراضي الزراعية بدلاً من تحويلها إلى مخططات عقارية.