* قبل عدة أعوام مضت، رأيت رساماً تشكيلياً مبدعاً، ورأيت مصوراً فوتوغرافياً حاذقاً.. رأيتهما معاً في صورة فنية لافتة؛ في شخص واحد اسمه الأمير (فيصل بن عبد الله بن محمد).
كان هذا الفنان المبدع، يتعامل مع الريشة والعدسة،
بروح شفافة، تعكس الإحساس الوجداني بالجمال حولها، فتهمس بما يجهر به الضوء، وتجهر بما يهمس به الظل، وتتنقل بين شطآن البحار وكثبان القِفار، تلاحق غروب الشمس، وتسابق بزوغ الفجر، من أجل رسم لوحة معبِّرة، أو أخذ صورة مخبِّرة، فلا يسير إلا والكاميرا تتدلى من كتفه، ولا يحل إلا والريشة تداعب أنامله.
* عرفت إذ ذاك، فيصل الفنان، الذي يجمع بين فن الرسم وفن التصوير، وعندما قربت منه أكثر، عرفت فيه فيصل الإنسان، الذي يشعرك لأول وهلة، أنه لا يعيش وحده في هذا الكون الفسيح.
* عرفته كذلك من بعد، وهو يترسم الخطى الحثيثة، ويتلمس المسارات الحديثة، لتحقيق الحلم الكبير: (تحويل المجتمع السعودي إلى مجتمع معرفي) مع حلول العام 1444هـ.
* أستطيع القول، بأن (فيصل بن عبد الله)، هو أول سعودي أرسى قواعد بناء هذا الحلم. الحلم الجميل الذي نعمل له، لا يتحقق في يوم وليلة، ولهذا تطلّب الأمر، وضع خارطة طريق علمية عملية، بدأت خطوطها من ورشة العمل الأولى في درة العروس بجدة قبل أربعة أعوام، وتواصلت الجهود بعد ذلك في الرياض والدمام، فأثبت فيصل بن عبد الله معها، أنه (أمير المعرفة)، الذي سوف يتحول إليها المجتمع السعودي بعد أربعة عشر عاماً قادمة.
* جاء أمير المعرفة فيصل بن عبد الله، وزيراً لأكبر وأهم وأخطر وزارة على الإطلاق. وزارة التربية والتعليم، التي تضم تحت كنفها أكثر من ربع عدد السكان في المملكة، بين معلمين ومعلمات، وطلاب وطالبات، وتصل مدن المملكة بقراها وهجرها وبواديها، فلا دار أو شارع أو بيت شَعر في مفازة، إلا وفيها من يمثلها من الطلاب أو الموظفين في التربية.
* كأنما (خادم الحرمين) نصره الله، أراد أن ينقل هذا العقل المدبر للمستقبل المعرفي، إلى حيث حقوله الأولى الطبيعية في محاضن التعليم العام. أذكر أن أهم التوصيات التي أفرزتها ورشة درة العروس آنذاك، تتعلق بالتعليم العام، فقد بدا التعليم العام في حالته الراهنة، وكأنه عقبة كأداء، تعترض مجرد التفكير في الإحلال المعرفي، في مجتمع يسبح فوق بحر من المعلومات، لكنه لا يجيد التعاطي معها بعقلية التوظيف، الذي يؤدي إلى بناء الشخصية، ومن ثم بناء المجتمع المنتج. المعرفة.. هي المزج بين المعلومات المتاحة، وبين القدرة على توظيفها في الحياة، لكن التعليم العام، بما هو عليه من مناهج منمّطة، ومقررات مسطّحة، إلى جانب أداء تربوي ضعيف، وإدارة مضطربة ومترددة وخائفة، ووسائل قديمة عقيمة، لن يدعم مشروع العصر هذا، ولهذا أعطى أبو متعب (القوس باريها)، فهل ينجح وزير التربية، في بري (القوس العتيقة)، وتحويل البيئة التربوية والتعليمية، إلى رحم حاضنة للكفاءات، ومنتجة للمعرفة البناءة، التي تنقل المجتمع السعودي من مجتمع معلوماتي بحت، إلى مجتمع معرفي بعد أربعة عشر عاماً..؟
أعتقد أن الأمير الوزير فيصل بن عبد الله، سوف يخوض لجّاً محفوفاً بالمخاطر، فوزارة التربية -إضافة إلى ضعف وتواضع مناهجها ومقرراتها ومقارها- مشبعة بالأفكار التقليدية، فهي اعتادت أن تنظر إلى الخلف، أكثر من نظرها إلى الأمام، وإذا خلا بعض المقررات من التطرف والتزمت، فإن الوسيط بينه وبين التلاميذ، جاهز دائماً لضخ البديل الذي يريده هو، لا الذي تريده الدولة والمجتمع، وهذا ما أطلق عليه الأمير (خالد الفيصل) ذات يوم: (المنهج الخفي)، فهو كذلك، بدأ خفياً يتمسكن حتى تمكّن، ثم لم يعد خفياً البتة في عصر النور هذا.
* أمام الأمير الوزير الكثير من الملفات التي يجب أن تفتح بشجاعة وعزم وحزم. ملف المناهج والمقررات. ملف تأنيث الإدارة النسائية في التعليم العام. ملف حوادث المعلمات على الطرق الطويلة. ملف خريجي كليات المعلمين والمعلمات. ملف المعينين على البند والمعينين على مستويات ودرجات أقل، وضمان حقوقهم الخدمية، وفروقاتهم المالية بأثر رجعي. ملف السماح للسعوديين بتدريس أبنائهم وبناتهم في المدارس الأجنبية، فهذا حقهم واختيارهم، وهم يخففون عن الدولة أعباء كبيرة. لماذا نصادر هذا الحق..؟! ملف تطوير التعليم باللغة الإنجليزية. ملف التخفيف من نصاب المعلمين، ومواصلة التدريب على رأس العمل. ملف الكادر الوظيفي، الذي بدأ مغرياً، ثم تراجع إلى ما دون غيره من كوادر لبقية الموظفين في الدولة. ملف تصنيف وظيفي للمعلم، بحيث لا يظل حتى تقاعده وهو معلم فقط، لماذا لا يتدرج من معلم، إلى معلم أول، ومعلم مشرف، ووكيل ومدير مدرسة، ووكيل ومدير تعليم، حتى يصل إلى منصب قيادي أعلى، كما في كثير من الدول.
* هناك جملة من الأسئلة تثقل المقال، ولكنها تليق بالحال، منها على سبيل المثال:
* ماذا نستفيد من كم هائل من المعلومات في عدد كبير من الكتب، يعجز أبناؤنا عن حملها، إذا كان هؤلاء لا يحسنون توجيهها في بناء حياتهم في المستقبل..؟ يكفي أن نعرف أن تلميذ الابتدائية يحمل فوق ظهره أو فوق رأسه (15 كتاباً)، وتلميذ المتوسطة والثانوية يحمل (18 كتاباً)..!
* ما العيب أن نعتز بلغتنا العربية، وأن نتعلم إلى جانبها لغات عالمية حية، من تلك التي بيدها مفاتيح العلوم الحديثة..؟
* ما العيب أن نعتز بديننا، وأن ننفتح على العالم كله، ننهل من علومه ومخترعاته ومعطياته الحضارية..؟
* ما العيب أن نعتز بقيمنا، وأن نحافظ عليها، ثم ندخل التربية البدنية في مدارس البنات..؟
* ما العيب أن نعلم الدين، وفي الوقت نفسه نلبي حاجة النشء في تعلم الموسيقى والرسم والفنون الجميلة..؟
* ما العيب لو حوّلنا حصة التربية البدنية، من حصة لهو وضياع وقت بين حصة وحصة، إلى فعل رياضي حقيقي، وإلى درس في العلاقة بين الصحة والمرض، بين سلامة التفكير وسقامة التفكير.. التفكير السليم في العقل السليم، والعقل السليم في الجسم السليم.
* ما العيب في تدريس المواد الدينية، وفي خلق توازن بينها وبين بقية المواد التي تعاني من ضيق الوقت المخصص، على حساب أوقات أكبر تعطى لمواد مكررة، وأقل حجماً منها..؟
* لماذا لا نحوّل حصص اللغات والرياضيات وبعض المواد، إلى معامل مجهزة، تقوم على التعليم بطريقة الصح والخطأ، وطريقة الاستنباط والتفكير النقدي..؟
* ماذا يضرنا لو تماهت مناهجنا ومقرراتنا، مع الجغرافية السكانية للبلاد، من حيث بيئاتها الزراعية والرعوية والصناعية والسياحية..؟
* ماذا يضرنا لو دمجنا مدارس التحفيظ في برنامج التعليم العام، ووفرنا لتلاميذها، التحصيل العلمي والإنساني، إلى جانب التحصيل الديني المكثف..؟
* إلى متى وهناك قسم واحد أو أكثر في الوزارة، يجعل من نفسه وصياً على توجهات وقرارات التعليم العام..؟
* إذا أردنا أن نحصل على مخرجات عصرية للتعليم العام، لماذا لا نغرس مدخلات عصرية في التعليم العام..؟
assahm@maktoob.com