يذكر أحد المقربين من حركة الإخوان المسلمين، وهو من المنتمين لها، أن حسن البنا - رحمه الله - وهو في أواخر أيامه كان غير راض عن التوجهات والمسارات التي انزلقت فيها الحركة، وكان يتمنى لو أن الحركة ظلت على غاياتها الأولى المتمثلة في إعادة الناس إلى التمسك بدينهم الإسلامي الذي ارتضاه الله لهم، والالتزام به عقيدة ومنهاج حياة، بدل المسار الذي اتجهت إليه والذي أفضى إلى تبعات تعاني منها الحركة حتى الآن.
ويتضح جليا أن الشيخ حسن يتحسر على الحركة وهي تنحرف إلى مساقات السياسة ودهاليزها، وقد تاهت الحركة بعد هذا الانحراف، ودخلت في صراعات ليست قادرة على مواجهتها، وقد اتضحت نتائج هذا الانحراف ومآلاته في الأحداث التي توالت على الحركة أيام عبد الناصر، وما زالت تعاني من تبعاتها حتى اليوم.
ليس هذا مقام الحديث عن فكر حركة الإخوان وتاريخهم، ومدى استقامة منهجهم وانحرافه، وأساليب إدارة الحركة وتعاملها مع أتباعها ومع الغير، ولماذا انحرفت عن غاياتها في تكوين الأجيال المسلمة؟، ونهجت نهج التصادم الفظ الغليظ، وما ترتب عليه وتبعه من انعكاسات سلبية على الحركة ورجالاتها، والمساحة الجغرافية التي كانت تتطلع إلى الاستحواذ عليها.
هذا أمر يتطلب مساحة أوسع في القراءة و التحليل والعرض، وهناك العديد من الدراسات والكتب التي تناولت الحركة وشخصت منطلقاتها وتوجهاتها، وحللت مواقفها وغاياتها، وهي في مجملها ما بين منتم متحيز أو مجاف معرض.
ولكن وفي ضوء الجلبة التي تثيرها الحركة حول نفسها، سواء في مضمون مفاهيمها التي تسيرها، أو في تصريحات قادتها سواء في محيطها الجغرافي الذي نبتت فيه أو خارجه، يتبين لمن يراقب تصريحات منسوبي الحركة، ويحلل مواقفهم من الأحداث، يدرك دون عناء أن الحركة تعتمد على البعد الوجداني وتضرب على وتره باعتباره المدخل الملائم للسيطرة على الآخر، وجذبه إلى صفوفها، وانقياد العامة لها، وليس بخاف أن اللعب على البعد الوجداني، وإثارة العواطف مع تحييد العقل، يعد من المداخل السهلة لإدارة الأفراد وضمان السيطرة عليهم، وكسب ولائهم.
وليس بخاف كذلك أن الانقياد وراء العاطفة المجردة من تحكيم العقل، يفضي إلى سقطات وانتكاسات مروعة، وهذا ما شهد به تاريخ الحركة في الماضي والحاضر، فصفحات ماضيهم تلطخ بالدم، ووارت ظلمة السجون كثيراً من رموز الحركة، وتعرضوا إلى صنوف شتى من القهر والتعذيب، والحاضر القريب يشهد أن الحركة غير موفقة، بل هي فاشلة في التعامل مع الأحداث، كانت غير موفقة عندما هرولت وراء صدام عندما اجتاح الكويت، تؤيده وتناصره، انقادت وراء عاطفة جياشة، وأحلام فارغة علها تجد لها قدم صدق عند صدام، وتخلت عن العقل، الذي يوجب الوقوف مع الحق، لذا فشلت وسقطت مصداقيتها شر سقطة بعد هذا الحدث، وها هو مرشد الحركة يكرر الخطأ نفسه وهو يعلن تأييده للتمدد الإيراني في المنطقة، تحت حجة واهية، لا منطق يسندها ولا عقل يقبلها، مما أثار النفوس عليه حنقا وغضبا، العاطفة الجياشة أنسته قيمة تحكيم العقل، والوقوف عند المسلمات والثوابت.
والآن هاهم يصادمون الحكومات، ويحلمون بالهيمنة من خلال القفز فوق الأسوار، وحرق المراحل أملا بالوصول إلى سدة الحكم، وسيظلون يدورون في حلقة مفرغة، بسبب العجلة، وطغيان العاطفة، وما لم يتخلصوا من الانفعالات التي جعلتهم يرون البصائر مشوهة، ويصححون المسار بتحكيم العقل في التعامل مع الحكومات، وأخص تلك التي تتوافق معها في قواسم المشتركة، وإلا فلن تصلح لهم حال ولن يفلحوا أبدا.
Ab_moa@yahoo.com