بحكم صلتي الدقيقة بشركة كبيرة ذات سمعة جيدة وتغطية لغالب المدن.. والقرى، أعرف أن هناك أموراً لا بد لي أن أسألك عنها لأهميتها بالنسبة لي ولمن رأيت فيه، وكل الذي يهمني هو أنني رأيت رؤياء تكررت، وعبرها معبر ملهم بخطورة حال من.. رأيت فيه.. وهو يعزّ عليّ كثيراً لكنني أعرف من أسراره ما يجعلني أعامله بحذر فهل أخبره عن هذه: الرؤياء؟
والقصة يا شيخ حتى تكون واضحة لكم أن في الشركة موظفين كثراً ويوجد فيها موظفان كبيران.
أما أحدهما فقد كان جديداً، وكان ذا حيوية ونشاط، ويعمل بوضوح وجد، وفيه صراحة، ولكنه لا يخلو من عجلة بحكم السن.
انتشرت أخباره وحيويته حتى أن الرئيس العام للشركة أحبه وقربه وشاع هذا في (المجلس الخاص) للشركة.
ومثله قد يغارُ منه أو يُحسد بدهاء ومكر وبهفوة أو هفوتين يمكن أن تحصل من أي أحد تصيّد له بعض الغائرين.
فمنهم من لمزه ومنهم من كلم الرئيس نفسه ومنهم آخرون كلموا أخاً لرئيس الشركة الذي يعتبر (دينمو) الشركة فحرن عليه وبه أساء الظن، فكان الحال بعد سنة من هذا كله كأنهم أرادوا أن يتأكدوا من هذا الأمر جلياً واضحاً وليس أمامهم الآن إلا سؤال.. الموظف الكبير الآخر..
وجرى هذا الحوار:
- نعم.. عليكم السلام.
- ... والله.. فلان كثر حوله الكلام.
- إيه.. يا طويل العمر.. مهوب ثقة.. مسكين.
وجرى الكلام هذا بينهما فقط.
عندها أضمر له السوء وعدم الرغبة فيه ثم تم صرف النظر عنه والحذر منه إلا ما يكون من المجاملات، فأدرك ذلك بطريقته الخاصة الجيدة، وعن طريق شفافية نفسية عالية، ثم إنه بعد ذلك تم نقله لكنه استقال بعد سنين انتشرت حكايات حول كل هذا، ولما كنت أعرف أشياء وأشياء رأيت هذه: (الرؤياء..)
فهل أخبره بها براءة للذمة..؟
ع.م.م - المنطقة الغربية
ج- لعلك تعذرني كثيراً إن أنا صغت السؤال حسب طريقتي لأنه صعب عليّ نشر (11 صفحة) في مقام كهذا، وإذ أنا صغت السؤال فإنني أبقيت على المعنى كما هو.
وإجابتي على مرادك هذا فأفيدك بأن هذا يحصل كثيراً دون تنبه وحذر وشدة تأن ومعاينة واستخلاص لما يقع خاصة عند فوات الثقة المبنية على ثقة مصلحية. والذي أراه لك هو أنك تعرف صاحبك الذي رأيت فيه الرؤياء.. فإن كان ذاتياً ذاتي النزعة والحياة فلا ينفع معه رأيت فيك ورأيت فيك، ولا حتى مناقشته أبداً، وليس هنا موضع التحليل النفسي لهذا النوع من الناس، وإن كان ذا ورع جداً وصلاح وأنت كما تقول تعرفه جيداً وكان ذا نظرة عادلة ضاربة في أغوار نفسه ونفسيته فاختر زمناً مناسباً ومكاناً مناسباً وحالة مناسبة وأخبره بها علماً، بأن هذا النوع من الناس كتوم 100% فلا يزعجك منه غضبه أو طردك على الأقل لأنه سوف يُصدم كيف تم العلم بهذا وهو من الأسرار الخطيرة..؟!!!
فادرس نفسيته بمهل واستعرض حالاته كلها وفتش عن خباياه لعلك هناك تُقدم أو تحجم.
وفي هذا كله فإنني لا أستغرب مثل هذا، لكن أستغرب كيف لم تتم المعاينة عن طريق شدة المراقبة؟
فإن مجرد السؤال مجردة فقط حتى ولو كان السؤال مطروحاً من المسؤول على.. الأب.. فأشار الأب مثلاً بسوء سلوك ابنه، حتى في هذا فإنه يجب الحذر من إجابة: الوالد وعدم قبولها كضربة لازب.
وقد ثبت لديّ بمجالس نفسية وعلمية متقنة ودقيقة أن الأب حتى الأب قد يحسد ابنه أو يحقد عليه أو يأخذ عنه صورة سيئة، فحين يسأل عنه يجيب بما يطمئن السائل مهما كان أن المسؤول عنه ليس ثقة وقد يُدان فتهضم حقوقه.
والتاريخ ذو عبر ومواقف، لكن تحتاج إلى طول تأمل وفراسة وشدة عمق في فَهم ما جرى خلال الدول منذ نشوء الحضارة.
والمشكلة هنا بحد ذاتها هو أن من رأى الرؤياء قد لا يُوبه به، وقد يُكذب (بضم الياء) وقد يُسفه.. بضم الياء.. كذلك، وهذا نفسه فتنة جرت مع الرسل عليهم السلام كما ورد {مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ} قالوها لشعيب عليه السلام، ومثله في هود كثير والقصص والشعراء.
وهنا (مربط القول)، فإن من ترك حقه وسكت أو طالب به فتُرك ولم يُؤبه به تحجر على نفسه وانطوى وذل وانسحب من الحياة، وفي هذا قد يكون جلال الأمر وخطورته وهوله، فإن بعض المُساء إليهم يعجز عن الدعاء وهنا يبلغ الضرّ مبلغه فتكون (يد الله هي الحاكمة).
والحياة تجارب وعبر وأمثال، ولم يدع الأول للآخر شيئاً، ومن يسعد هو ذلك الذي يتعظ بغيره، ومن يشقى هو ذلك الذي يتعظ به غيره، ولمراد ظاهر، قال تعالى {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} الذين يحذرون الخطأ ويدركون مغبة الإساءة مهما كانت صغيرة أو كبيرة، وليست الآية وقفاً على العلماء.
ولهذا قال هارون الرشيد (عقلتها عقلتها إنما هي للخليقة أبداً).
فمن باب (براءة الذمة)، ومن (باب المناصحة) ورد المظالم بين العبد والعبد فلعلك تبين له ما رأيت فيه بشأن ذلك الموظف، وأنت إذا أخبرته بها كفى هذا براءة للذمة على كل حال، وهو لن يُعيد الموظف إلى وظيفته، لكنه قد يفزع ويخاف من الله فيحاول إرضاءه ولو بما يملك، والشركة نفسها حسب دراساتي القضائية والسياسية الإدارية العليا عليها نصيب وافر من.. الإثم.. فوجبت في حق المضيون مراقبته بكل طريق وبكل سبيل والسؤال عن حال وصلة مَنْ وشى به أو كتب عنه وحال.. كذلك.. من سُئل عنه مهما كان فلمزه وخبّب عليه، ذلك هو الصراط المستقيم في سياسة عمارة الأرض ونزول القطر من السماء وسعة الأرزاق، ولاسيما إذا كان من تذكر له وزن ما عند الله تعالى كعلم أو هداية وصلاح فهذا ولا جرم موقعه.. جلل.. عند الله تعالى، بل حتى الكافر فلا يجوز ظلمه ومضايقته ولا قبول القول فيه هكذا، فإن العدل أوجبه الله تعالى مطلقاً، ولهذا جاء في الحديث القدسي القدسي العام عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه أنه تعالى قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي.. فلا تظالموا...) الحديث.
أما ما يخصك فأنت لعلك رأيت هذا.. المنام.. بحكم صلتك بذلك الموظف الذي سئل فغمز صاحبه بسوء مبطن لعلك تُبين له ذلك، فيرشد وينظر أمره، ولعل فيك صلاحاً ولهذا خُصت الرؤياء بك دون سواك.