Al Jazirah NewsPaper Friday  27/02/2009 G Issue 13301
الجمعة 02 ربيع الأول 1430   العدد  13301
وماتت الحنونة
أماني بنت عبدالرحمن العجلان

 

مرت ثلاثة أعوام على رحيلك عني يا حبيبتي، ولازالت كلماتك ترن في أذني، ولا زلت أشم رائحتك حينما أقبل على غرفتك حتى لا أكاد أسمع أنفاسك الحبيسة، فأدخل بلهفة فلا يواجهني إلا الفراغ والصقيع.

ثلاثة أعوام مزق فيها الحنين قلبي وعذب الشوق روحي إليك وإلى أيام طفولتي الأولى في حضنك الدافئ.

كنت صغيرة جداً حينما جئتك يتيمة ولكنك وبقلب فاض حناناً فاق حنان الأمهات لم تسمحي لمرارة اليتم أن تلسع قلبي. كنت منذ صغري أكره الشتاء والتمس الدفء بين يديك. لن أنسى ما كنت تفعلينه بنا، كنت تتسللين إلى مضاجعنا ليلاً لتلبسينا الجوارب من تحت الأغطية، وحتى بعد أن كبرت وتزوجت كنت لا أشعر بالدفء إلا في الغرفة التي تكونين فيها، أما الآن وبعد رحيلك يا جدتي فما أقسى الشتاء وما أوحش لياليه فما عادت غرفة بيتنا تنعم بالدفء مهما فعلنا بها بعد أن غاب عنها حضورك الدافئ وأنفاسك الحانية.

جدتي حبيتي الآن أعلن أني أصبحت يتيمة فقد ماتت الحنونة، ماتت التي كنت أحبها وتحبني أعظم الحب وتظل روحي تحن إلى روحها إذا ما فارقتها.

يا نور عيني الذي انطفأ كنت تخافين عليّ أكثر مما أخاف على نفسي كبرت وأصبحت أمّاً ولا يزال حنانك يكللني من كل جانب، رابط غريب يستعصي على فهم الجميع كان يربط بيني وبينك. كنت تقرأين أسارير وجهي مع ضعف بصرك فتستشعرين حزني. وتفهمين صمتي قبل أن يفهمه أحد من حولي.

روحي تفتقدك يا حبيبتي. أرفع رأسي من على وسادتي محاولة الاستماع إلى صوتك الحنون فلا يأتيني فتشهق روحي فأكتم شهقاتها فينطلق قلبي رغماً عني (ماتت حبيبتي ماتت الحنونة)، فمن سيحن عليّ بعدك ومن سيأبه لي في زمن الجمود وبرود المشاعر.

جدتي.. لطالما كنت أتمنى حينما يعصف بي شيء من الحزن والأسى أن آتي إليك وأبكي في حضنك الدافئ ولكن أتذكر عظيم اشفاقك فارحم ضعفك ولا أفعل. وحينما فعلت وللمرة الأولى والأخيرة ما كنت أتمناه دفنت وجهي في صدرك وضممتك وبكيت كثيراً حيث بكيت نفسي وبكيتك وسنين الحزن الطويلة دون أن أخشى أن يؤلمك بكائي أو يحزن قلبك الرحيم فقد فاضت روحك إلى بارئها وحتى وأنت في لحظاتك الأخيرة لم تسألي إلا عني وعن أطفالي آآآه يا جدتي ما هذا الحب الجارف.. وهذا الحنان اللامتناه لقد أشقاني بعد فراقك وآلمني.

* وختاماً.. لم أكتب هذه السطور رثاء، بل وفاءً لك جدتي أردت أن يعلم الناس أن جدتي كانت رمزاً يستحق الإشادة في الرأفة باليتيم. فاللهم أنك ترحم من عبادك الرحماء فاللهم كما رحمتنا صغاراً وكفلتنا أيتاماً وواستنا بنفسها وقلبها ومالها، فارحمها برحمتك الواسعة وأكرمها بجوار نبيك -صلى الله عليه وسلم- في الفردوس الأعلى واجمعنا بها في مستقر رحمتك.

* ابنتك أم عبدالملك





 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد