Al Jazirah NewsPaper Friday  27/02/2009 G Issue 13301
الجمعة 02 ربيع الأول 1430   العدد  13301
فوبيا الطلاق... برنامج للتحصيل الوقائي (1)
مندل عبدالله القباع

 

لم يكن الزواج مجرد علاقة اجتماعية، أو أنه مجرد تواصل وجداني، أو جذوة شهوة لجسد أو جمال لا تخبو حتى تكمل مراحلها (اتصال - انفعال - اشتعال - اكتمال) ومن ثم تخمد وخلود للراحة.. وإنما الزواج يفوق ذلك فهو مسؤولية شراكة في بناء أسرة ذات محددات سلوكية، وأساليب اتصالية، وآمال في الاستمرارية، والنجاح في تحقيق الغايات المتواخاة من تكوينها متمثلة في تربية أبناء ليكونوا نواة المستقبل وبناء المجتمع وعلو نهضته وتقدمه.

هذه المحددات لها أثرها الفاعل في تحقيق الإشباع لطرفي العلاقة وما ينتج من هذا الإشباع من مردود إيجابي مهما كانت الضغوط التي تقع على كاهل كلا الطرفين والتي تتطلب منهما بذل أقصى طاقة ممكنة لمواجهة تلك الضغوط لتحقيق أقصى إشباع ممكن وهذا يتطلب أن يكون طرفا العلاقة من ذوي شخصية قادرة على التفاعل مع تلك الضغوط.

ومن قواعد وأسس التحصين الوقائي - العدالة - الزواج أن تضبط محدداته وشروطه وأن تكون صالحة شرعاً وعلماً ومنهجاً حتى لا يهدد الأسرة منذ البداية مهددات (فوبيا) الطلاق، هذا الرهاب الذي إذ لم تنضبط أمور وشروط الزواج الصحيح من الممكن أن تئن الأسرة تحت وطأته تخوفاً من (صدمة الطلاق) وتوابعها التي قد تمتد وتطال الأبناء وتهدد سلامتهم السلوكية كما تهدد أمن المجتمع واستقراره.

ونأمل من ذوي الاهتمام الرجوع للإحصائيات الرسمية لنعرف حجم الطلاق منسوباً لحالات الزواج في الفترة التي يراد الكشف عنها، وكم من حالات طلاق تقع في سني الزواج الأولى، وكم حالة طلاق غير رسمية يتم فيها الانفصال الجسدي والوجداني انتظاراً وترقباً للحظة الوصول إلى أبغض الحلال، ولما يحتل مجتمعنا مرتبة متقدمة (عالمياً) في معدلات الطلاق.

وإزاء ما نتوصل إليه من بيانات ومعلومات وحقائق لا ينكرها أحد.. نتساءل: لماذا يعزف - عزوفاً قسرياً - بعض الشباب عن الزواج مما أدى أخيراً إلى تراجع معدلات الزواج بين الشباب وظهور ما يعرف بظاهرة (العنوسة) لدى كل من الذكور والإناث لأنه حتى الرجل يطلق عليه هذا المسمى.

والإجابة إنها (فوبيا) الطلاق. فثمة تخوف من أن تكون قد فارقت قلوبنا المودة والرحمة تحت وطأة التحديات التي تضطرنا للتخلي عن شروط الزواج الصحيح، فهل سيأتي حين من الوقت يستشعر فيها الزوجان بأنهما غرقاء تحت سقف واحد؟

وهل الأجدى أن نبحث عن علاجات للعرض الظاهر أم نتعمق ونبحث في الأسباب ونضع وصفة للتحصين منها أصلاً؟ ألم تكن الوقاية خيراً من ألف علاج كما ورد في الأثر؟ وظننا أنها وصفة تحمي الجيل الحالي المقدم على (مشروع الزواج) وما يليه. ويقيننا أن العوامل والأسباب التي نتكلم عنها تخضع للقيم والمعايير الإسلامية السامية التي تتمحور حول الرضا واليسر والتسامح والمعروف والإحسان والمودة والرحمة بدلاً من السخط والارتفاع والعناد والصراع.. ثم إصدار القرار البغيض.

إذن ما هي الشروط الواجبة للزواج الصحيح؟

الرأي لدينا أنه يأتي في مستهلها شرط النضوج ليس فقط النضوج الجنسي الذي يعين على صحة المعاشرة، ثم الإنجاب الآمن، فالقدرة الرعائية للطفل، وتحمل مسؤوليات تربيته، وإنما يشمل أيضاً النضج الاجتماعي الذي يهيئ للتواصل الفاعل في العلاقات، والسواء السلوكي في المعاملات، فضلاً عن ذلك توافر النضج الفكري الذي يساعد على تفهم الواقع وتحليل الأمور والتصرف المهاري حيالها، والوعي الاستدلالي في حل المشكلات التي تصادف الأسرة في خضم الحياة والتي تمكنها من مواجهة التحديات وتخطي الصعوبات.

ومن نواتج النضج (حسن الاختيار) و(تخيروا لنطفكم) مما يؤدي إلى انسجام الأسرة وتماسكها وإيقاعها المتناغم السليم، كما يؤدي إلى القدرة على تحمل المسؤولية قبل الذات والآخر، والخروج من دائرة الاعتمادية والانتقال من الدوران حول (الأنا) إلى (نحن) قمة الاجتماعية والتقبل والتفاني كما يؤدي إلى التوافق الإيجابي، توافق في القيم الدينية والثقافية، توافق في العادات والتقاليد والطباع، توافق في الوعي والإدراك العقلي، توافق في نمط الحياة وطريقة العيش، إن هذا التوافق الحادث يعم الأسرة وروابطها في الداخل والخارج، وحسن الاختيار ومراعاة للتكافؤ في الأخلاق، والثقافة، القدرات، والإمكانات العلمية والمادية، والتجانس الاجتماعي البيئي.

ومن حسن القول أنه إذا اختل التكافؤ اختلت معه الحياة الزوجية، ومن نواتج النضوج أيضاً أنه يلم كل من الزوجين بما له من حقوق وما عليه من واجبات قبل الآخر، وإن كان يعلو هذين المعيارين السكن والمودة الرحمة لقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}.

فالنضوج إذن يجعل الزوجين يدركان أن الزواج ليس قاصراً على السكن وحده، ولكنه يأتي في معينة المودة والرحمة، فالسكن يمثل وضعاً خاصاً في مكان خاص معتمداً على قدرة عضوية وصحة نفسية وهي مفتاح السعادة والرضا والقناعة، والمودة هي الحب الممتدة والتواصل والحميمة والرحمة بالا يتعنت أحد الزوجين على الآخر من أجل إمهال الواجب مع التعند في استخدام الحق.

يتضح من ذلك أن ترافق معيار السكن مع معياري المودة والرحمة أصدق تعبير عن (جودة الحياة) الزوجية المستمدة من التهيئة البيئية والإعداد والتأهيل التربوي والتعليم الذاتي.

ومما يجدر ذكره أن (جودة الحياة) الزوجية القائمة على النضج إنما تعني بلوغ مستوى عال من الرضا والتمتع من خلال الظروف الاقتصادية والأحوال الاجتماعية وما في المحيط البيئي من نمو وازدهار.

ولعله من النضج ومن المفيد أيضاً أن يدرك الزوجان أن الربط بين المستوى الاقتصادي والسعادة أمر مشكوك فيه، لأن ارتفاع المستوى أو هبوطه لا يعني أنه يحقق مستوى أكثر من السعادة أو أقل. إنما الرأس مال الاجتماعي هو الأهم والأجدى، وهو أصدق تعبير عن (جودة الحياة) الزوجية، ويعبر عنها بحسن الحال والإحساس بالأمل والشعور بالسعادة التي - من المحال - أن يجلبها العائد المالي وحده.

وما دمنا بصدد التعرض لشروط الزواج درءاً للسقوط في دوائر (فوبيا الطلاق) فلا بأس أن نذكر أن بقاء الحياة الزوجية يعتمد على المؤثرات الفاعلة في استثمار السعادة الزوجية.

تنويه :

سبق نشر الحلقة الثانية يوم الاثنين 15 صفر 1430هـ الموافق 10 فبراير 2009م نتيجة خطأ غير مقصود فمعذرة.

المحرر



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد