لا تزال التداعيات الخطيرة التي ترتبط بالأزمة المالية العالمية التي شهدها الاقتصاد في عام 2008م على المستوى العربي ترسم صورة بالغة القتامة لما سيكون عليه حال العالم في هذا العام 2009م، فقد فاجأت الأزمة المالية العالمية الدول العربية وأضفت ظلالاً بالغة القتامة على توقعاتها لمشروعات التنمية على عكس ما كانت تشير إليه الأوضاع في السنوات الخمس الأخيرة والتي شهدت سباقاً وتنافساً نحو زيادة معدلات النمو الاقتصادي مما يدعم التوقعات السلبية للأسواق الخليجية التي سوف تتأثر بشدة نتيجة الأزمة الائتمانية، وذلك لأن السيولة ستجف ولا أحد يريد المخاطرة، ونتوقع أن تشهد اقتصاديات دول مجلس التعاون حالات من التباطؤ الحاد خلال 2009م أيضاً مثل الاقتصاديات الغربية ومن المؤكد أن معدل البحث عن عمل سيرتفع في هذه الدول وسوف يتأثر العمال المهاجرون في المقام الأول ومما لا شك فيه أن الانخفاض والهبوط الحاد في أسعار النفط على النقيض تماماً لفترة الصعود التي شهدتها الشهور السابقة مباشرة لاندلاع الأزمة المالية العالمية في سبتمبر 2008م.
فبعد أن وصل إلى مستوى قياسي تجاوز ال 147 دولاراً للبرميل بداية 2008م تراجع بنسبة 57% في نهاية العام ليهبط إلى ما دون ال40 دولارًا للبرميل بسبب تدني الطلب العالمي على النفط، وهناك توقعات بأن يهبط السعر إلى 25 دولارًا للبرميل في هذا العا م 2009م.
فقد بلغت خسائر أسعار النفط السنوية في نهاية العام الماضي 56%، وهذا أول انخفاض سنوي منذ عام 2001، والأكبر في تاريخ التداول. من ناحية أخرى، وتبعاً للنظرة المستقبلية الاقتصادية العالمية الضعيفة في 2009، واتجاه معظم دول العالم المتقدم إلى مرحلة ركود، وتباطؤ الطلب في الاقتصاديات النامية مثل الصين والهند، فإنها لا تبشر بالخير والذي سيؤثر على عمليات التمويل الحكومية في دول مجلس التعاون الخليجي، إذ ستتعرض الفوائض المالية الضخمة إلى استنزاف، وتراجع ثقة القطاع الخاص، وندرة الائتمان فقد كان انخفاض سعر البترول من العوامل المفاجئة والصادمة لتقدير قدرة الاقتصاديات العربية عمومًا والخليجية خصوصًا على تجاوز تداعيات هذه الأزمة.
وهذا ما يجعلنا نؤكد أن الركود أو التباطؤ في أحسن الأحوال هو سيد الموقف خلال عام 2009م. ومن الدول التي تضع الخطط وتحسن التعامل في الأزمات لتجنب القدر الأكبر من الخسارة المملكة العربية السعودية فقد اتخذت العديد من الإجراءات لمواجهة تداعيات الأزمة المالية ودرءًا للمخاطر الاجتماعية والسياسية التي يمكن أن تترتب عليها حيث تركز في جوهرها على إنعاش السوق وإيجاد الطلب على المشروعات والوظائف وزيادة التشغيل للحد من ظاهرة البحث عن عمل. ولكن ليس من المتوقع أن تمضي معظم الدول العربية بنفس المستوى مقارنة بحال السعودية مما لا يمكن البناء عليه كآلية تنقذ المنطقة العربية مما يختبئ لها من مخاطر خلال عام 2009م.
وهكذا يجب أن تتحرك الأطراف العربية وأن تضع مسارًا جماعيًا ليس بخصوص مواجهة الأزمة المالية فحسب بل ومواجهة كافة القضايا العربية على الصعيدين الفردي والجماعي للتكيف مع الأزمة ووقف تداعياتها بالحفاظ على معدلات نمو مطمئنة نسبيًا، ولكن ما يجب أن تتأهب له الشعوب العربية هو خفض سقف توقعاتها الإيجابية عن المستقبل و لن يكون من المبالغة في التشاؤم القول بأن الركود أو التباطؤ الاقتصادي في المنطقة العربية سيقود إلى مشكلات اجتماعية وسياسية مقلقة.
E_mail:info@othaim-int.com