Al Jazirah NewsPaper Friday  27/02/2009 G Issue 13301
الجمعة 02 ربيع الأول 1430   العدد  13301
ضعف الإيمان والأهواء وشهوات الدنيا
قتل الأنفس.. الجريمة التي استسهلها الكثيرون

 

الرياض- خاص بـالجزيرة» :

تعددت جرائم القتل، ووصل الغل إلى حد التمثيل بالجثث، وهناك من تجرأ وقتل أباه أو شقيقه أو قريب له، وهناك من يرتكب جريمة القتل لأتفه الأسباب، دون النظر إلى أنه يرتكب كبيرة من كبائر الذنوب وأن الشريعة جاءت لحفظ الكليات الخمس من حفظ النفس والدين والأموال والأعراض والعقول، وفي هذا الشأن يقول الله - جل وعلا-: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ}، وقال تعالى :{وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، وقال عليه الصلاة والسلام :(كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) والأدلة في ذلك كثيرة سواء من الكتاب أو السنة، ولكن هناك من افتأت على هذه الحقوق وسفك الدماء وخاض في الأعراض واستباح الأموال دون النظر إلى الشرع، فكيف يمكن المحافظة على النفس؟

الاعتصام بحبل الله

بداية يقول الشيخ د. إبراهيم بن صالح الخضيري قاضي التمييز بالمحكمة العامة بالرياض: يمكن المحافظة على النفس بالحقائق التي بينها الله عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم الآتية:

أولاً: أن يترك المولود على فطرته ويدعم ويدعى إلى الإسلام، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه) وفي رواية أو يمجسانه.

ثانياً: يختار المرأة الصالحة الدينة التي تحافظ على النفس البشرية مما يفسدها من كل وجه، يقول صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ونسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك).

ثالثاً: يحرص الإنسان على أن يقوم بما أوجب الله عليه كما في الصحيحين عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في بيت سيده ومسؤول عن رعيته)، فإذا قام الإنسان بمسؤوليته عن رعيته سواء كان حاكماً أو محكوما قياماً كاملاً شاملاً من كل وجه فإنه يحافظ على النفس البشرية من الاعتداء بكل صوره.

رابعاً: يحرص الإنسان على الرجوع إلى الله عز وجل فإنه إذا اتقى الله عز وجل وحرص على التقوى كان له الأمن المطلق في الدنيا والآخرة من كل شيء قال الله عز وجل: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}.

وقال سبحانه وتعالى: {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ}، وقال: {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ}، وقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}.

خامساً: يتعلم المسلم ما ينفعه في دينه ودنياه ليحافظ على نفسه البشرية من الاعتداء وليحافظ على نفسه هو ويراعي حرمات الله عز وجل قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} وقال سبحانه وتعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}

سادساً: يحرص المسلم على أن ينمي في داخله الشعور بالمحافظة على الأمن، باعتبار الأمن جزءاً لا يتجزأ من حياته، ولهذا قدمه إبراهيم على التوحيد في دعائه قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ}.

سابعاً: يحرص المسلم كل الحرص على البعد الكامل عن جلساء السوء قال عليه الصلاة والسلام : (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير) فالصاحب ساحب والجليس مؤثر ولهذا قال الشاعر:

عن المرء لا تسأل وأسال عن قرينه

فإن القرين بالمقارن يقتدي

ومن ثم فإنه بتمسكنا بإسلامنا واعتصامنا بحبل الله تعالى واجتماعنا وبعدنا عن التفرق وحرصنا على العلم النافع والعمل الصالح نجنب النفس البشرية من كل ما يسيء إليها ويضيعها ويضرها ويوردها الهلكة يقول الله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}.

قتل الناس جميعاً:

أما الشيخ عبدالحكيم بن عبدالله المطوع (القاضي بمحكمة العيينة) فيقول: حفظ النفس من أساسيات الدين، والذين يقتلون النفس يرتكبون جريمة خطيرة وقد اجتهدت في جمعها وتحريرها وهذا أوان الشروع في المقصود:

1- أخرج سعيد بن منصور والبيهقي في شعب الإيمان عن عبدالله بن مسعود قال: لا يزال الرجل في فسحة من دينه ما نقيت كفه من الدم، فإذا أغمس يده في الدم الحرام نزع حياؤه.

2- وعن مجاهد قال: من أوبق نفساً فكما لو قتل الناس جميعاً، ومن أحياها وسلم من ظلمها فلم يقتلها، فقد سلم من قتل الناس جميعاً.

3- وعن قتادة قوله: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس) الآية، من قتلها على غير نفس ولا فساد أفسدته (فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعاً) عظم والله أجرها، وعظم وزرها.

4- قال الحسن لما تلا هذه الآية {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} إلى قوله {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، قال: عظم والله في الوزر كما تسمعون ورغَّب والله في الأجر كما تسمعون! إذا ظننت يا ابن آدم أنك لو قتلت الناس جميعاً، فإن لك من عملك ما تفوز به من النار، كذبتك والله نفسك، وكذلك الشيطان.

5- وقال ابن جرير: لا نفس يقوم قتلها في عاجل الضر مقام قتل جميع النفوس ولا إحياؤها مقام إحياء جميع النفوس في عاجل النفع، فكان معلوماً بذلك أن معنى (الإحياء): سلامة جميع النفوس منه، لأنه من لم يتقدم على نفس واحدة فقد سلم منه جميع النفوس وأن الواحدة منها التي يقوم قتلها مقام جميعهاً إنما هو في الوزر لأنه لا نفس من نفوس بني آدم يقوم فقدها مقام فقد جميعها، وإن كان فقد بعضها أعم ضرراً من فقد بعض.

6- وعن أبي هريرة قال: دخلت على عثمان يوم الدار فقلت: جئت لأنصرك وقد طاب الضرب يا أمير المؤمنين، فقال: يا أبا هريرة، أيسرك أن تقتل الناس جميعاً وإياي معهم؟ قلت: لا، قال: فإنك إن قتلت رجلاً واحداً فكأنما قتلت الناس جميعاً فانصرف مأذوناً لك، مأجوراً غير مأزور، قال: فانصرفت ولم أقاتل.

7- وقال سعيد بن جبير: من استحل دم مسلم فكأنما استحل دماء الناس جميعاً، ومن حرم دم مسلم فكأنما حرم دماء الناس جميعاً.

8- وقال القرطبي: قد حرم الله القتل في جميع الشرائع إلا بثلاث خصال: كفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس ظلماً وتعدياً (أو فساد في الأرض) أي شرك، وقيل: قطع طريق.

9- وأخرج البيهقي عن محمد بن عجلان قال: كنت بالإسكندرية فحضرت رجلاً الوفاة لم نر من خلق الله أحداً كان أخشى لله منه فكنا نلقنه فيقبل كلما لقناه من سبحان الله والحمدلله، فإذا جاءت لا إله إلا الله أبى، فقلنا له: ما رأينا من خلق الله أحداً كان أخشى لله منك، فنلقنك فتلقن حتى إذا جاءت لا إله إلا الله أبيت؟! قال: إنه حيل بيني وبينها، وذلك أني قتلت نفساً في شبيبتي.

10- وأخرج البيهقي عن عبدالله بن مسلم أخي الزهري قال: كنت جالساً عند سالم بن عبدالله في نفر من أهل المدينة، فقال رجل: ضرب الأمير آنفا رجلاً أسواطاً فمات. فقال سالم: عاب الله على موسى عليه السلام في نفس كافر قتلها.

11- وأخرج ابن المنذر عن أبي عمرو قال: قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا.

12- وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلاً جاءه فقال: يا أبا عبدالرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} إلى آخر الآية فما يمنعك أن لا تقاتل كما ذكر الله في كتابه، فقال: يا ابن أخي أغتر بهذه الآية ولا أقاتل أحب إلى من أن أغتر بهذه الآية التي يقول الله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا}.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد