تحقيق - أحمد الجاسر- منيرة المشخص
تنتشرت (الواسطة) في المجتمع على الرغم من تناقض الآراء حولها ما بين مؤيد ومعارض، فهناك من يرى بأنها نوع من أنواع الظلم، تسلب بها حقوقهم وينتفع منها الغير، ومع ذلك غزت الدوائر الحكومية والخاصة، وعلى النقيض هناك من يرى بأنها ليست ظاهرة دخيلة، إنما هي أصيلة من أعماق جذور مجتمعنا، وتتمثل في الفزعة التقليدية، التي كانت إيجابية وأخلاق عظيمة في مواقعها الطبيعية، كما أنها نوع من أنواع الكرم والأخلاق العظيمة إذا أنزلت في مواقعها الطبيعية، وصارت آفة في المواقع الوظيفية.
وهناك من يرى أن لهيئة حقوق الإنسان دوراً كبيراً في تقليصها والحد منها، بينما هناك من يرى العكس فلا علاقة للهيئة في القضاء عليها، باستثناء أن يكون لها دورٌ مباشر في رفع ظلم إنسان لآخر وفي تفويت حق له بسبب الانتهاك للعدالة الواجبة في تعيين ووصول الأكفاء إلى أماكنهم اللائقة بهم. (الواسطة).. ما زالت تؤرق الجميع وتبدد آمالهم وتقتل طموحاتهم، فماذا قال ضيوفنا عنها:
في البدء، يقول د. عبدالرحمن الحبيب إن »الواسطة« ليست دخيلة بل هي أصيلة وهي من أعماق جذور مجتمعنا، وتتمثل في الفزعة التقليدية، التي كانت إيجابية وأخلاق عظيمة في مواقعها الطبيعية، وصارت آفة في المواقع الوظيفية.
وبيّن أن أهم دور يمكن أن تلعبه هيئة حقوق الإنسان في الحد منها هو المطالبة بتفعيل الأنظمة والقرارات الموجودة فعلاً التي لا تميز بين المواطنين كالرقابة، والمتابعة لكي نرى بوضوح مسألة الثواب والعقاب تطبق على من يتجاوز ذلك.
مساس بالعدالة
ويوافقه الرأي د. عبدالرزاق بن حمود الزهراني أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية، فيقول: إن (الواسطة) ظاهرة اجتماعية عالمية، وليست دخيلة على المجتمع السعودي، مشيراً إلى أنها ظهرت أيام الرسول صلى الله عليه وسلم عندما حاول بعضهم التوسط لدى الرسول لإسقاط الحد عن المخزومية التي سرقت، مؤكداً على أنها موجودة في جميع المجتمعات، ولكن بنسب متفاوتة.
وبيّن أن ل(الواسطة) نوعين: إيجابي، يتمثل في مساعدة الناس على أخذ ما هو حق لهم، وهذه محمودة ويجب تشجيعها، وسلبي وهي مساعدة الناس على أخذ ما لا يستحقون سواء في الوظيفة أو غيرها من المواقع، وهذا النوع تجب محاربته.
وأعتقد أن هيئة حقوق الإنسان تستطيع أن تفعل الكثير لنصرة من ذهبت حقوقهم بسبب الواسطة، وإعادة الحق إلى نصابه إذا توفرت لها الأدلة المادية الكافية، كما أنها تستطيع بمساعدة المسئولين في الدولة معاقبة من تسبب في أخذ الحق من الذي يستحقه، وإعطائه لمن لا يستحقه، مبيناً أن هذا فيه مساس بالعدالة، ومساس بالوطنية التي تقضي بوضع الإنسان المناسب في المكان المناسب بغض النظر عن جميع الاعتبارات.
ويخالفه الرأي د. خالد بن عبدالله السبيت الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك خالد العسكرية، فهو لا يرى أن لتدخل هيئة حقوق الإنسان دوراً في الحد من هذه الظاهرة، باستثناء أن يكون لهذه (الواسطة) دورٌ مباشر في إيقاع ظلم وقهر على إنسان آخر وفي تفويت حق له بسبب مثل هذا الانتهاك الصارخ للعدالة الواجبة في تعيين ووصول الأكفاء إلى أماكنهم اللائقة بهم، مؤكداً على أنه في حين وقوع مثل ذلك يأتي دور الهيئة في التعامل مع هذه الواسطات، وأن قيام الكل بما يجب عليهم القيام به سيحد من الممارسات السلبية والانتهاكات.
ووصف (الواسطة) المجردة بالمرض الاجتماعي يسببه في كثير من الأحيان التركيبة الاجتماعية، داعياً إلى ضرورة أن يقوم مع الوعي بخطورتها وآثارها السلبية على المجتمع أنظمة رادعة لمثل هذه الممارسة المرفوضة للحد منها، وأن يقوم برصدها الأجهزة المعنية بمراقبة أداء المؤسسات المختلفة.
هضم حقوق الغير!
وتوافقه الرأي حنان القحطاني طالبة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فهي لا تعتقد أن لهيئة حقوق الإنسان دوراً في اتخاذ قرارات للحد من الواسطة، معللة ذلك بأن أبسط الأمور لا تسير في المجتمع السعودي إلا بها وبالمجاملات الاجتماعية التي أفضت لهضم حقوق ممن لا يملكون علاقات اجتماعيه تدعمهم بالواسطة.
نمط من الكرم
من جانبه، يرى د. عبدالله بن عبدالعزيز اليوسف أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن (الواسطة) ليست قضية جديدة في المجتمع السعودي، ويعتقد أنها من القضايا القديمة.
ودعا إلى ضرورة أن يتم التفريق بين نمطين من أنماطها، مشيراً إلى أن هناك (الواسطة) المحمودة، وهي الشفاعة الحسنة للصديق والقريب دون أن يكون فيها انتزاع لحقوق الآخرين، وإنما مساعدة ذوي الحاجة من الأقارب والأصدقاء، بما لا يخالف النظام، ولا يكون فيه انتزاع لحقوق فرد آخر لحساب الفرد المتوسط له، معتبراً أن هذا النمط من (الواسطة) من أنماط الكرم، موضحاً أن الكرم في القديم كان يقوم على إطعام الطعام لحاجة الناس للطعام، أما في الوقت الحاضر فالحاجة هي للتقدير وإنزال الناس منازلهم، عن طريق مساعدتهم بالطرق النظامية وبما يكفل حقوقهم وحقوق الآخرين، وهو نمط محمود من الواسطة.
أما (الواسطة) غير المحمودة فهي التي تقوم على انتزاع حقوق الآخرين والتعدي عليها لأهداف شخصية، مشدداً على وجوب محاربة هذا النمط منها، وأن يكون لهيئة حقوق الإنسان دور في تقليصه والقضاء عليه، بالتدخل لإرجاع الحقوق لأصحابها.
من جهتها، أكدت د. فتحية القرشي رئيسة قسم علم الاجتماع في جامعة الملك عبدالعزيز عضو جمعية حماية الأسرة في جدة، على أن لهيئة حقوق الإنسان في المملكة دوراً كبيراً في منع تدخل الواسطة في الالتواء بالأنظمة واللوائح الاجتماعية والحد من استخداماتها بين فئات المجتمع المختلفة.
وقالت إن هيئة حقوق الإنسان شأنها شأن هيئة الرقابة والتحقيق من المؤسسات المهمة في الحفاظ على النظام واستقرار الحياة الاجتماعية، مشيرة إلى أنها تشكل دعامة مهمة في نسق الضبط الاجتماعي، حيث تساهم في الحد من تدخل العلاقات الاجتماعية المبنية على تبادل المصالح الشخصية في تعطيل المرونة المستهدفة في نسق التدرج الاجتماعي، والتي تتيح للأفراد الارتقاء بأوضاعهم استناداً إلى إنجازاتهم وليس انتماءاتهم للجماعات الفرعية، كما أنها تمنع الجمود وزيادة الاختلافات بين الناس التي تشكل عاملاً أساسياً في زيادة مظاهر الصراع والتمرد.
مرض اجتماعي
من جانبها، وصفت الأستاذة مها بنت محمد المسلّم متخصصة في الطفولة ومستشارة اجتماعية الواسطة بالمرض الاجتماعي الخطير، مبينة أن له آثار سلبية كثيرة على المجتمع، معربة عن أسفها الشديد من تفشي هذه الظاهرة في المجتمع السعودي وبشكل ملحوظ.
وشددت على ضرورة سن الأنظمة والقوانين الرادعة لمن يمارسها, وتكثيف المراقبة على أداء المؤسسات المختلفة, مبينة أن دور هيئة حقوق الإنسان في الحد من هذه الظاهرة يتمثل في الدفاع عمن وقع عليهم الظلم من جرائها ومنحهم حقوقهم وإنصافهم من القهر لسلب الحقوق والتصدي لتلك الانتهاكات الإنسانية أياً كانت سواء من الواسطة أو من غيرها.
ونوهت بأنه يجب الحد منها بنشر الوعي من آثارها السلبية وخطرها على أفراد المجتمع، لافتة إلى أن قد يشعر بعضهم بالظلم منها لأنها سلبت منهم حقهم المشروع في الحصول على شيء ما بدلاً من الآخر الذي أخذه بغير وجه حق.
أما لطيفة العشيوي طالبة في قسم رياض الأطفال بجامعة الملك سعود فنفت أن تكون كل واسطة أمراً مشيناً، مشيرة إلى أن هناك وسائط تسعى للخير وتوصل إليه، موضحة أن الواسطة غير المرغوب بها ويرفضها الجميع المتمثلة في وضع الإنسان غير المناسب في مكان لا يستحقه، متسائلة ما المانع من الواسطة التي تفضي إلى وضع الفرد المناسب في المكان المناسب؟ إلى ذلك قالت الأستاذة نورة بنت عبدالعزيز آل الشيخ المديرة العامة للإشراف الاجتماعي النسائي في منطقة مكة المكرمة، الواسطة سلوك اجتماعي تتمثل في قيام البعض بتغليب مصلحه من لا يستحق على المستحق، مشيرة إلى أنها إثم ووزر وإضاعة لحقوق الآخرين، كما أنها تختلف كلية عن السعي في قضاء حوائج الناس والتي هي من الخلق الإسلامي, وباب من أبواب الخير، مؤكدة على أنه لا يمكن حجبها بالتنظيمات الرسمية أو الأهلية ما لم يكن هنالك اتفاق اجتماعي على نبذها ومحاربتها.