ربما من حسن حظ المرشدين الطلابيين والمرشدات أنني لا أملك صلاحيات وزير التربية والتعليم، وإلا لألغيت شيئاً اسمه الإرشاد الطلابي (رغم إيماني الشديد بأهميته)، والسبب يعود ببساطة إلى أن الإرشاد الطلابي في المدارس لا ينفذ إلا القليل من المهام المنوطة به
ويقف حاجزاً دون الوصول إلى حالات سلوكية مهمة لجهلهم من جهة ولحسن ظن التربويين في إمكاناتهم من جهة أخرى، هل أبدو متطرفاً وقاسياً من وجهة نظر المرشدين والمرشدات؟
حسناً دعوني أسوق دليلاً واحداً على صدق كلامي، ألا ترون معي أن أكثر الطلبات في المدارس من قبل المعلمين والمعلمات هي على الإرشاد الطلابي رغم تعدد مهامه وحساسيتها؟ وهل تظنون أن الإخلاص وصل بالبعض إلى درجة التهافت على هذا الموقع المريح؟ ابحثوا عن تقارير المرشدين وستجدون أنها منقولة من مواقع الإنترنت أو من الزملاء فيما بينهم.سأتحدث اليوم عن مهمة غائبة عن المرشدين الطلابيين المختصين ومعلمي الصف الأول وهي ملاحظة سلوك التلميذ الصحي والتربوي والعمل على إيجاد حلول له، حيث تشير الدراسات الصحية في المملكة إلى أنه يوجد مليون طفل مصاب باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، في حين لا يستطيع سوى 40 طبيباً تشخيصهم وعلاجهم على مستوى المملكة، وهو ما يدل على وجود عجز واضح في الكوادر الطبية في هذا الجانب، ولكن ليس هذا موضوعي.
وبالطبع أستبعد إمكانية تدخل الوحدات الصحية المدرسية البالغة نحو 250 وحدة صحية (88 للبنات و170 للبنين) في حل مشكلة كهذه؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وبما أن 50% من الأطفال المصابين بفرط الحركة يستمر معهم المرض بعد البلوغ ويعانون من سلوكيات غير منضبطة وفشل في الحياة الأسرية والعمل وينتهجون سلوكيات جانحة مثل الإهمال وارتكاب الجرائم بغير قصد؛ فمن هنا نقسو على (حبايبنا) المرشدين الطلابيين؛ فالكرة في ملعبهم، كما نؤكد أن للمدرسة تأثيراً قوياً وفعالاً في مساعدة الطفل، وقد يكون المعلم أول من يحول الطفل إلى العيادة بعد موافقة الأهل في بعض الدول. دراية المعلم بهذا الموضوع جداً مهمة؛ حيث ردة فعله وتعامله مع الطفل يختلف عند معرفة سبب هذا السلوك. وطبعاً أنا لا أفترض أن يتحول المرشد الطلابي أو المعلم إلى طبيب نفسي، ولكن قلة الانتباه، زيادة الحركة، الاندفاع وغيرها من السلوكيات يفترض ألا تمر مرور الكرام على المرشد أولاً، والمعلم ثانياً؛ فأعراض الأمراض النفسية تتداخل فيما بينها، وعلينا التوقف كثيراً عند تصنيفاتها العلمية، وهنا دور آخر منتظر من قبل أهل الطفل، وفي دولة متقدمة مثل بريطانيا يقوم المعلمون والمشرفون (المرشدون) بتحويل التلاميذ إلى العيادات النفسية الإرشادية للأطفال، وذلك بعد تنفيذ الخطة الفردية للطفل المسماة IEP أما عندنا فالأمر لا يتجاوز خططاً ورقية منسوخة ومكررة ومعلبة من جهة، وجلسات وإفطاراً جماعياً من جهة أخرى، و(الفاضي يعمل قاضي) - كما يقولون - والضحية هم أطفال المستقبل.
وسبق أن أشرت في موضوع سابق إلى أنه لا ذنب للمرشدين والمرشدات من غير المختصين؛ فهم ضحية نظام فضفاض، كل ما عليك حينما تريد أن تكون مرشداً طلابياً أن تكون معلماً قد أمضى عدة سنوات، ثم تجد أن العمل الذي تكلف به يستطيع أن يقوم به حملة الثانوية العامة، سجلات وبرامج حاسوبية معلبة أشك أن صلاحيتها انتهت منذ زمن بعيد، والحل يكمن في كثافة التدريب المتخصص بعيداً عن التنظير التربوي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، والذي يحول ذاكرة المتدرب إلى ذاكرة إسفنجية تمسك بالماء، ولكن سرعان ما تتخلص منه بمجرد عصرها.
Mk4004@hotmail.com