كنت أظن أن تصريحات علي أكبر ناطق نوري مستشار مرشد ثورة إيران بشأن البحرين مجرد رأي إنسان يسكنه هاجس الإمبراطورية الفارسية، التي ورثها الملالي عن الشاه، غير أن رئيس تحرير جريدة (عصر إيران) جعفر محمدي صاحب العلاقات الوطيدة بمؤسسة الحكم في طهران، عاد وأكد على المكشوف هذه الأطماع، وأصر على أن التاريخ يثبت حقيقة أن (البحرين جزء من إيران).. يقول في مقاله الذي نشره يوم الاثنين الماضي الموافق 23-2-2009م: (هذا البلد كان يوماً ما جزءاً من الجسد الإيراني، ويجب أن (يعود) إلى الوطن الأم)!. ويؤكد: (أن تصريحات علي أكبر ناطق نوري مستشار قائد الثورة، لم تكن إلا إشارة إلى حقيقة تاريخية).
من يقرأ تاريخ البحرين الممتد إلى ما قبل الإسلام يجد أنها أرض عربية، يسكنها عرب أقحاح، ولم تكن جزءاً من فارس، فمنذ أن ولى الرسول صلى الله عليه وسلم، العلاء الحضرمي والياً عليها في السنة السابعة للهجرة (629م) وحتى سنة 1783م حين قامت العتوب بقيادة أسرة آل خليفة في قطر بهجوم بحري على البحرين وأصبحوا حكاماً شرعيين لها، وهي جزر محض عربية.
وعندما امتدت لها أطماع الفرس في عهد الشاه محمد رضا بهلوي عام 1971م صوَّت أهلها على رفض الاحتلال الفارسي، واختاروا الأسرة المالكة الحالية حكاماً لهم.. أن يحتلها الفرس فترة من الزمن عارضة، ثم يعود أهلها ويحررونها من الاحتلال، لا يعني انها أصبحت أرضاً فارسية.. فقد احتلها -أيضاً- البرتغاليون فترة من الزمن، وكذلك الإنجليز فهل يعني أن للبرتغاليين أو الإنجليز حقاً فيها؟.. الذي يجب أن يعيه الإيرانيون جيداً أن العودة إلى التاريخ، وتوظيفه بطريقة انتقائية في سياساتهم التوسعية، يعني -أيضاً- أن ما يُسمى اليوم (جمهورية إيران الإسلامية) ستتشظى إلى عدة دول.. أي أن العودة إلى التاريخ، والتنقيب في أوراقه، هي ممارسة في غير مصلحة إيران التي تتكون من (فسيفساء) قوميات وإثنيات وثقافات مختلفة ومتضادة ومتنافرة، ولا يحتاج الأمر إلى أكثر من قراءة في الحركات الانفصالية التي تعج بها الجغرافيا الإيرانية في الماضي والحاضر لتتأكد مما أقول.
استقلال البحرين أمر تحميه الشرعية الدولية، ويعرف حتى الأطفال أن الإيرانيين لا يمكن أن يمسوا استقلال البحرين، وأن المهووسين بالقراءة الرغبوية للتاريخ سينتهون إلى ما انتهى إليه صدام حسين عندما حاول ضم الكويت متذرِّعاً بذات الحجج التي يتحدث عنها مهووسو إيران اليوم.. والسؤال الذي يفرضه السياق: ما الداعي -إذن- لهذا الاستفزاز، وما الذي سيجنيه الإيرانيون منه؟
في تقديري أن مثل هذه الممارسات التصعيدية بين الحين والآخر تشي بأن النظام الحاكم في إيران لا يستطيع أن يبقى دونما أزمات.. فوجود أزمة شرط ضرورة للبقاء.. وغياب الأزمات يعني أن أنظار الإنسان الإيراني ستتجه إلى الداخل، الذي يعاني أشد المعاناة من ازدياد معدلات الفقر، وانتشار المخدرات، وتفاقم معدلات الجريمة، وتفشي التذمر من الأوضاع الاقتصادية المزرية، في الوقت الذي تُعتبر إيران أولى الدول المتضررة من الانخفاض الكبير في أسعار النفط في المنطقة، وهي مرشحة للدخول إلى مرحلة كساد حقيقي سيكون له بلا شك انعكاسات وخيمة على المجتمع الإيراني.
ومهما يكن الأمر، فإن أول الخاسرين عندما كشَّر العدو الفارسي عن أنيابه هم حماس وجماعة (الإخوان المسلمين)، حلفاء النظام الإيراني في المنطقة.. وكلي شوق لأن أسمع رأي المرشد العام مهدي عاكف، وكذلك خالد مشعل في هذه القضية؛ هل سيكرر مشعل قول نائبه موسى أبو مرزوق عندما تساءل في جريدة (الراية) القطرية عن: (الأسباب التي تدفع إلى إثارة قضية الجزر الإماراتية في الوقت الحالي) على اعتبار أنها قضية (هامشية) في رأيه؛ وشدد على ضرورة (عدم تحويل العداوة من إسرائيل إلى إيران) كما كان يقول بالحرف!
دعونا نرى كيف ستكون ردود أفعالهم على هذه المواقف الإيرانية العدائية؛ مع أنني على يقين أن قضايانا لا تعنيهم إطلاقاً.
إلى اللقاء.