زاوية تهتم بكل ما يتعلق بالطب النفسي والتنمية البشرية وتطوير الذات.. نستقبل كل أسئلتكم واقتراحاتكم.
أعيش بشخصيتين...
* السلام عليكم
أود أن أحكي لك عن مشكلة كبيرة جدا
أنا يا دكتور قبل الزواج كنت أظن أنني شخصية طيبة جداً ولكن للأسف بعد أن تزوجت اكتشفت أنني مريض ولا أحب إلا نفسي فقط. نعم هذه هي الحقيقة
زوجتي يا دكتور ياما ضربتها وأهنتها رغم أنني والله أحبها.
يا ما حاولت أبحث عن حل لنفسي ولكن بدون فائدة.
لدي حساسية مفرطة في شخصيتي وتجدني محترم جداً مع الغرباء وفي العمل, لكنني في البيت أصبح عصبياً جداً ومرهقاً وقلقاً جداً من كل شيء.
للأسف زوجتي صارت تكرهني وأنا أيضا كرهت نفسي لأني طيب ومحترم جداً فقط مع الغرباء ولكن طيبتي غير حقيقية وزوجتي أكثر من يعرف حقيقتي.
بدأت أشك أني مصاب بانفصام في الشخصية وأحس بآلام في صدري وقلبي وجسمي ينهار.
أسأل الله أن رسالتي تجد منك الرد في القريب العاجل. وشكراً.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم أعتقد أنك أعانك الله كنت في قمة شعورك بخيبة الأمل والإحباط وقت كتابتك لهذه الرسالة لكنني أحب أولا أن اطمئنك أنه لا وجود على الأقل من خلال رسالتك لأي علامات لديك للإصابة بانفصام في الشخصية كما ذكرت والذي أعتقد أنك تقصد به اضطراب الفصام العقلي Schizophrenia الذي يذكر عند بعض العامة باسم انفصام الشخصية بدلاً من المسمى الصحيح له وهو الفصام العقلي.
أخي مشكلتك ليست نادرة الحدوث بل أعتقد أنها موجودة بنسبة ملحوظة والفارق الوحيد هنا هو أنك صرحت بوجود هذه الإشكالية لديك وقبل ذلك وعيت بوجودها وهذه خطوة مهمة جداً نحو التغيير للأفضل بإذن الله تعالى.
دعني أضع التفسير النفسي لما تعاني منه كما أراه بهذا الشكل:
يبدو أنك من الشخصيات الحساسة جداً والتي تحرص كثيراً على إرضاء الآخرين وكسب قبولهم بأي شكل حتى لو كان ذلك على حساب رغباتك واحتياجاتك الشخصية. هذا الأمر يفسر ظاهرياً بأنه طيبة شديدة بينما في الواقع هو مبالغة في كظم أو كبت مشاعرك والظهور بالشخصية التي تعتقد أنها مقبولة وملائمة للأشخاص الذين تقابلهم.
في المقابل فإنك عند عودتك للمنزل تخلع قناعك الاجتماعي وتصبح أكثر تلقائية وعلى طبيعتك وسجيتك بشكل أكبر. أي أنك تتخلى عن دفاعاتك النفسية وعلى رأسها آلية الكبت, وهذا التحرر في المنزل يظهر ذاتك الحقيقية كما هي ولكن المشكلة هنا هي أن الآلية النفسية للإنسان مصممة بطريقة لا تسمح باختفاء طاقة المشاعر السلبية إلا إذا تم التنفيس عنها بشكل أو بآخر , وهذا ما يفسر أن التراكمات اليومية لديك تبقى لتظهر للأسف الشديد في وجه زوجتك بشكل نوبات غضب عارمة حتى لأسباب صغيرة وغير مقنعة. وفي حين أنك تحسب حساباً لنتائج الغضب أو حتى الاختلاف في وجهات النظر مع الآخرين إلا أنك لا تفعل ذلك مع أقرب المقربين لك وهي زوجتك مما أدى إلى تفاقم الأمور شيئاً فشيئاً.
إذا ما هو الحل؟؟
الحل برأيي ينطلق مبدئياً في اتجاهين أساسيين وهما:
الأول: على مستوى تعاملاتك خارج المنزل يجب أن تدرب نفسك شيئاً فشيئاً على التعبير عن نفسك ومشاعرك بجرأة أكبر, ولاحظ أن الجرأة لا تعني الحدة أو التعدي على الآخرين أو الانفجار غاضباً بل التعبير عن نفسك باتزان. وقد تحتاج في ذلك لمساعدة متخصصة من خلال تقنيات توكيد الذات.
هذا الأمر سيلعب دوراً هاماً في تخفيف حاجتك لاستخدام الدفاعات النفسية خارج المنزل, وبالتالي التقليل من تراكم المشاعر السلبية داخلك.
ثانيا: داخل المنزل ستكون بحاجة لإدارة مشاعر الغضب لديك بطريقة أفضل ومحاولة التروي وعدم الاستعجال بالحكم على الأحداث وكذلك استشعار خطورة ما يمكن أن تسببه العصبية الزائدة خصوصاً وأنت بالفعل واقع تحت تأثير ذلك في الوقت الحالي وقد تخسر بيتك وعائلتك - لا سمح الله - وسيكون من المفيد لك أن تقرأ بعض كتب الدعم الذاتي الخاصة بالتحكم بنوبات الغضب أو حضور جلسات علاجية أو دورات خاصة بذلك.
لعلك لاحظت أن الاتجاهين الأول والثاني مرتبطان ببعضهما لأن الهدف هو إعادة التوازن لحياتك من الناحية النفسية بتعزيز المبادرة والتعبير عن النفس بتلقائية أكبر في اتجاه وتخفيف الحدة في التعامل ونوبات العصبية في الاتجاه الآخر وبالتالي العودة إلى التوازن الطبيعي وممارسة حياتك بتلقائية وانسيابية أكبر والتخلص من هذا الإحساس المزعج بأنك تعيش أكثر من شخصية وتتقلب من وضع إلى وضع آخر.
أمدني الله وإياك وجميع القراء الكرام بالصحة النفسية والاستقرار الأسري.
إضاءة
قال صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).
دكتوراه في الطب النفسي
كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي - الرياض
e-mail: mohd829@yahoo.com