لو (عطس) زعيم من دول العالم الثالث أو (التالف) لا فرق لامتلأت الشوارع بالملصقات التي تغطي كل شيء (أعمد الكهرباء، الدكاكين، السيارات، واجهات المتاجر، بل وحتى البراميل -أعزكم الله-)، ولو تنحنح هذا الزعيم الفذ لارتفعت اللافتات القماشية فوق رؤوس الناس تحيي هذه (النحنحة المبجلة)، ولو ألقى ذلك الزعيم ولو مجرد (جملة غير مفيدة) لخرجت الجماهير عن بكرة أبيها وقضها وقضيضها تحيي عبقرية الزعيم الملهم، ولعلي في هذا الصدد أتذكَّر أن أحد الأصدقاء لفت نظري إلى هذه الظاهرة في إحدى عواصم عالمنا الثالث الكئيب وقال لي لو أن الدولة وزعت قماش اللافتات على الشعب لجعلها ملابس للعراة والجياع لأكفت الشعب كله.. ولو جُمعت كل هذه الأوراق والملصقات التي تحمل صورة الزعيم وجعلت منها الدولة دفاتر للتلاميذ الفقراء لأكفتهم ذل السؤال والأمية التي تحجب الكثير من أطفال هذا الوطن عن الدراسة بسبب الفقر وعدم القدرة حتى على شراء الأوراق والأقلام!!
ولو أن ذلك الزعيم أيضاً سعل سعلة واحدة لخرجت الجماهير الغفيرة تدعو لحنجرته الذهبية بالسلامة ولتدافعت الجماهير لرؤية زعيمهم البطل من خلف زجاج سيارته المصنوع ضد الرصاص، وفوق ذلك فالويل كل الويل لمن لا يحب ذلك الزعيم ولو كان يضمر ذلك في طوية نفسه، لأنهم هنا يُحاسبون على النوايا.
***
بالطبع هذا يحدث غالباً في الأنظمة التي تدّعي الثورية والتقدمية والتي تنظر إلينا هنا كمتخلفين لا نستحق الحياة (!!) بالرغم من أن أولئك المتخلفين بفضل ما يوفره لهم حكامهم لا يحملون دفاتر فحسب للمدارس، بل أجهزة كمبيوتر حديثة ويلبسون أفضل الملابس ويعيشون في أرقى الفلل، كل ذلك بفضل صدق ووفاء حكامهم لهم ووفائهم لحكامهم أيضاً، فلِمَ لا يحبونهم طوعاً من القلب ولِمَ لا؟ لأنه بمقدور أي من هؤلاء المواطنين أن يدخل إلى الحاكم في مجلسه ويحدثه عن مشكلته الخاصة وغالباً ما يناديه باسمه مجرداً أو باسم أبيه هكذا: (يا ولد عبدالعزيز) كما كان أهل البادية ينادون (عبدالعزيز) بقولهم: يا ابن سعود.. أو يا أخو نورة.. أو يا عبدالعزيز فقط وهكذا.. أمر لا يحدث في أكثر دول العالم ديمقراطية وحرية فلِمَ لا يحتفي شعبنا السعودي النبيل بشفاء ولي عهده الأمين سلطان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- ولِمَ لَمْ تسكت الهواتف النقَّالة والمسجات التي يزف الناس بشراهم لبعضهم البعض منذ أن خرج سلطان من غرفة العمليات وكأن الشعب السعودي كله ينتظر على باب تلك الغرفة التي تبعد عنه ملايين الأميال، أتدرون ما السبب؟ لأن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان يعيش في قلب ووجدان كل مواطن تماماً كما يعيش ذلك المواطن في وجدان وقلب سلطان.. ذلك القلب الذي يطفح بالحب دوماً، وليسلم لنا ذلك القلب وصاحبه النبيل.. وحمداً لله على سلامته الغالية.