في تناقض غريب يؤكد (الكيل بمكيالين) الصفة التي أصبحت ملازمة لما يتخذ من مواقف وقرارات في منظمة الأمم المتحدة، ويظهر هذا التناقض بوضوح فيما يتخذ من خطوات للبدء في إطلاق ملاحقات قضائية ضد الرئيس السوداني عمر البشير الذي يتهمه المدعي العام لمحكمة الجزاء الدولية بارتكاب إبادة في دارفور.
وفي المقابل وعلى الرغم من مطالبة دول وجهات ومنظمات دولية إنسانية بفتح ملفات جرائم الحرب والإبادة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدوانها الأخير على قطاع غزة الذي حفل بأعمال إبادة واستهداف للأطفال والنساء من خلال التدمير المتعمد للمدارس والمنازل وحتى المنشآت التي تُدار من قِبل مؤسسات الأمم المتحدة، حيث دمرت في واحدة من عمليات القصف أربع مدارس تابعة للأونروا التي ترفع أعلام الأمم المتحدة، وقتل فيها العديد من طلبة المدارس والعوائل الفلسطينية التي طلب منها موظفو الأمم المتحدة التوجه لها لحمايتهم من غارات الطائرات الحربية الإسرائيلية.
الجرائم الإسرائيلية التي ندد بها واحتج عليها الجميع لا تجد من يتابعها، وعندما حاولت إحدى الجهات القضائية في إسبانيا فتح ملف جرائم إسرائيل في عام 2002م وبالتحديد جريمة إبادة خمسة عشر مدنياً فلسطينياً بعدما قامت طائرة إسرائيلية بقصف منزل في غزة لاستهداف قيادي فلسطيني، حيث سجلت تلك الحادثة كإحدى الجرائم ضد الإنسانية، وعندما تحرك القضاة الإسبان لمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين من الجنرالات الذين أمروا بارتكاب الجريمة ومنفذيها من الضباط وفق القوانين الإسبانية التي تسمح بمحاكمة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية بما فيها التي ترتكب خارج أراضيها، ومن غير مواطنيها، تحركت الدوائر الصهيونية وأصدقاء إسرائيل في أوروبا وضغطت على إسبانيا لتوقف تلك القوانين وتلغي أي تحرك لمقاضاة مجرمي الحرب الإسرائيليين الذين ثبت ارتكابهم لجرائم ضد الإنسانية.
في الجانب الآخر يجري على قدم وساق الإعداد لإصدار قرار من قضاة المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرة توقيف بحق رئيس دولة عربية وإسلامية وإفريقية تأكيداً لاتهامات المدعي العام للمحكمة لويس مورينو - أوكامبو.
المحكمة الدولية الجزائية التي لم ينضم لها السودان تعتزم إصدار مذكرة القبض على الرئيس السوداني خلال أيام على الرغم من اعتراض الدول العربية والإسلامية والإفريقية.
jaser@al-jazirah.com.sa