يُقال إن حماس انتصرت في مقاومتها الضعيفة والمحدودة على جيش إسرائيل في حرب غزة الماضية، الحرب الضروس التي قتلت الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره، كما ودمرت وأبادت الشيء الكثير مما بناه الشعب الفلسطيني بعرق جبينه وأيضاً بالمساعدات التي ترد إليه من الدول العربية.
تلكم حقيقة خيال أهيف لا تعيش إلا في عقول من يريد أن يصدق بها، ولربما من لا يؤمن بها لا قلباً ولا قالباً، ولكن يرتبط وينبثق إيمان من يستسيغ وجودها من أجل خدمة حفنة من المصالح الخارجية التي لا تنتمي للقضية الفلسطينية ولا للشعب الفلسطيني لا قلباً ولا قالباً ولا من قريب أو بعيد.. بل إن هذه المصالح الخارجية دأبت على استخدام ومن ثم توظيف القضية الفلسطينية تارة كشماعة تعلق عليها ما تشاء تعليقه، وتارة أخرى تستخدمها كوسيلة دفاع أو هجوم على الغرب عموماً والولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً، لكن في معظم الأوقات برعت في توظيفها للتحريك أو التأليب ضد الدول العربية، أو لإثارة الفتنة بين العرب، بل ولربما بين المسلمين أيضاً.
ومع هذا فإن حديث اليوم لا يتعلق بالانتصار الحمساوي الكاسح (على غرار انتصار حزب الله اللبناني الحزباوي) وإنما يتعلق بسياسات ومواقف وتوجهات حركة حماس بصفة عامة وبصورة كلية التي بدأت بانتفاضة ومن ثم تمرد وانقلاب على الشرعية السياسية للسلطة الفلسطينية، لتتحول إلى أداة هدم سياسي وعقدي لكل ما بنته حركة فتح في الأربعين عاماً الماضية.
نعم.. تلكم بالفعل حقيقة ناصعة اتضحت بعد أن تبنت حركة حماس حديثاً جديداً عن بديل لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومن ثم اعتناقها لإستراتيجية جديدة تُعنى بالمساهمة في نشر وتمدد النفوذ الفارسي في بلاد الشام مما يعني أن حركة حماس انضمت إلى جوقة حزب الله في تنفيذ سياسات إيران الفارسية بالمنطقة.
قد يقول قائل بعد قراءة السياق السابق.. ما هذا القول المغرض؟ وما هذه الرؤية السلبية المعارضة والمتحاملة على حركة حماس، الحركة التي أعلنت بجرأة وعلانية مقاومتها العسكرية لإسرائيل؟ الحركة التي قاومت إسرائيل وقتلت منها اثني عشر إسرائيلياً في مقابل ستة آلاف قتيل وجريح فلسطيني.. الحركة التي هددت وأرعبت إسرائيل بصواريخها الجبارة.. الحركة التي أجبرت إسرائيل على وقف العدوان والحرب.. الحركة التي تمكنت من الانتصار على إسرائيل أسوة بانتصار حزب الله اللبناني عليها.
هذه المقولات والتساؤلات جميلة وجيدة لأنها بحق تنطلق من مشاعر إنسانية حقيقية صافية لا غش فيها ولا خداع، مشاعر وأحاسيس عربية وإسلامية لا تدرك مخاطر ومسالب المؤامرات الدنيئة والمظاهر الخداعة التي يتفنن في التعامل والتعاطي بها البعض ممن برعوا في توظيف وسائل الزيف والخداع السياسي لتحقيق مآرب وأطماع وغايات لا تنتمي للمنطقة ولا لشعوبها وإنما تخدم مصالح كل من يريد ويروم بها شراً.
بيد أن السؤال تلو السؤال الذي يطرح نفسه في الوقت الراهن لا يمكن إلا وأن يسأله أي إنسان عربي عاقل، ولا بد إلا وأن يتمحور حول التساؤل: ماذا يفعل خالد مشعل في العاصمة الإيرانية الفارسية طهران؟ لماذا يشيد خالد مشعل بدور إيران المؤيد والداعم للفلسطينيين متناسياً الدور العربي والدعم العربي والمواقف العربية والتضحيات العربية من أجل الشعب الفلسطيني التي تواصلت على مدى ستة عقود من الزمن؟ كيف يمكن لخالد مشعل أن يزعم بأن إيران ستعيد إعمار قطاع غزة؟ بالطبع ناكراً ومتناسياً الدعم العربي والسعودي خصوصاً للقضية الفلسطينية ولإعادة إعمار قطاع غزة تحديداً.
ألا يكفي أن حركة حماس وكافة حركات نضال ومقاومة الوهم والخيال والزيف التي عانينا منها ومن مآسيها الكثير في الماضي كانت وما زالت تقاوم مقاومة من يسهل مهام إسرائيل ومن يساعدها على تحقيق أهدافها وأطماعها في فلسطين؟ ألا يكفي أنهم يقاومون بأرواح وأجساد الشعب الفلسطيني وبأمواله وبأمنه واستقراره، فيما يعيشون قمة البذخ في العواصم الأجنبية التي يقبعون فيها.. ألا يكفي أنهم تسببوا في تأخر وتخلف المنطقة بعد أن برعوا في تجييشها وتأليبها واستنزاف مواردها المادية والإنسانية.
أخيراً من جانبنا نحن لا بد وأن نسأل ما الذي فعلته طهران والقوى الفارسية برمتها إبان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؟ لماذا لم تهدد طهران إسرائيل بعملية عسكرية؟ لماذا لم تتقدم طهران لمجلس الأمن الدولي لنصرة شعب غزة؟ لماذا لم يدع قادة إيران العالم الإسلامي لنصرة الشعب الفلسطيني؟ لماذا لم نسمع أو نرى الشعب الإيراني يتبرع للشعب الفلسطيني؟
من فعل كل ما سبق، ومن قدم كل ما سبق، ومن تحرك بكل ما سبق هي المملكة وأيضاً دولة مصر حيث كانتا في مقدمة الدول التي تتحرك طوال الوقت سياسياً ودبلوماسياً على كافة المستويات الإقليمية والدولية من أجل وقف العدوان الإسرائيلي، فيما اكتفت إيران بتقديم الدعم الشفهي للفلسطينيين فقط.. لكن هذا قدر الدول العربية المعتدلة مع الفروع الفلسطينية المتمردة أو التابعة، وهذا ما تحصده هذه الدول العربية من هؤلاء وغيرهم ممن لا يتورعون عن الإقدام على فعل أي شيء في سبيل تحقيق غاياتهم وأهدافهم المشبوهة.. لنكن على الأقل مدركين تماماً بأن هؤلاء امتداد للتاريخ المفبرك والمرقع بأفعال من نشزوا وشذوا عن قاعدة التاريخ العربي الإسلامي الأصيل.
drwahid@email.com